Saturday, 14 March 2020

إدلب… جدوى المفاوضات الروسيّة التركيّة وعتبة السيادة السوريّة







ضمن سلسلة التطورات والمنجزات التي حققها الجيش السوري، تصاعدت حدة التوترات بين موسكو وأنقرة، إذ بات واضحاً أنّ مُنجزات الجيش السوري، قد شكلت عامل ضغط سياسي وميداني على خطط أنقرة في سورية، حتى باتت التصريحات التركية خارجة عن إطار المألوف.
ولنزع فتيل الحماقة التركية، دأبت موسكو وعبر استراتيجية احتواء الألم التركي، لهندسة مفاوضات سياسية على أن لا تتخطى بتفاهماتها عتبة السيادة السورية.
في وقت سابق، بدا واضحاً أنّ محاولة دفع العجلة السياسة في الجولات الأربع الماضية بين موسكو وأنقرة، والتي تمّت بين نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين والممثل الروسي الخاص في سورية ألكسندر لافرينتييف، وجهاز المخابرات التركي ومسؤولين أمنيين وعسكريين أتراك؛ لم تصل إلى مبتغاها الأساسي المتمثل بتنفيذ الجانب التركي لالتزاماته كضامن للعملية السياسية في إدلب، على الرغم من إقرار النظام التركي بوجوب تنفيذها كما أقرّتها منصتا أستانا وسوتشي.
ليتبع ذلك محادثة هاتفية بين بوتين وأردوغان، دون أن ترشح عنها أيّ تفاصيل، لكن يُمكن قراءتها من خلال تصريحات المسؤولين الروس، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «أنّ روسيا تدعم الجيش السوري في إدلب والذي يردّ فقط على الاستفزازات، وانّ إجراءات الجيش السوري وروسيا بمثابة ردّ طبيعي لإبعاد الإرهابيين عن محيط منطقة خفض التصعيد في إدلب».
وفي المقابل ما يصدر عن الجانب التركي يُدلّل على عدم تنفيذ النظام التركي لمذكرة التفاهم الروسية التركية، حيث صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش اوغلو قائلاً «لم نتوصل إلى النتيجة المرجوة حتى الآن في المحادثات مع الجانب الروسي»، وأضاف أوغلو أنّ «أردوغان وقادة الجيش التركي هم من سيقرّرون توقيت العملية المرتقبة في إدلب حسب التطورات».
التحوّلات العسكرية الاستراتيجية التي حققها الجيش السوري، ادّت إلى توتر المحادثات بين الجانبيين الروسي والتركي، فالنظام التركي يحاول فرض سياسة الغاب، ليس عبر إرهابيّيه فحسب، وإنما أيضاً تُرجمت عنجهية النظام التركي، في اقتراحات مناصريه من الأحزاب القومية، وهنا يحضر قوياً ما قاله دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية، حيث دعا أردوغان صراحة إلى «غزو دمشق وتدمير إدلب وحرق سورية» على حدّ تعبيره «انتقاماً من النظام السوري» إثر مقتل 13 جندياً تركياً في إدلب.
ولم يكتفِ بهجلي بذلك فحسب، ولكنه ذهب إلى أبعد من ذلك مُحمّلاً روسيا مسؤولية دماء الجنود الأتراك الذين قُتلوا في سورية لأنها «تُهيّئ المناخ لجرائم النظام السوري» على حدّ قوله، وداعياً الحكومة التركية لإعادة النظر في علاقاتها مع موسكو التي «تحاول السيطرة على سورية وعلى تركيا أيضاً»، كما قال، عبر الاتفاقات الدبلوماسية في أستانا وسوتشي وجنيف والتي لم تجنِ منها تركيا فوائد تُذكر.
هي معركة يخوضها النظام التركي داخلياً وخارجياً، ضارباً بعرض الحائط جميع القرارات الدولية والمواثيق الأممية، حيال احترام سيادة الدول، ومراهناً بذلك على الدعم اللوجستي الذي تقدّمه له الولايات المتحدة، والذي قد يرتقي ليصل إلى دعم عسكري، كما جاء في تصريحات لـ حلف شمال الأطلسي أنّ «تركيا عضو في الناتو وسنقدم الدعم اللازم لها».
وفي جانب آخر، طالبت تركيا بإرسال بطاريات صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة، لتكون أداة دفاع تجاه الطيران الروسي. ومن المفيد أن نذكر هنا، بأنّ واشنطن اكتفت بتقديم الدعم المعنوي لـ أردوغان، عبر عبارات الاستنكار للعميلة العسكرية السورية، والدعم الروسي لها.
يُفهم وبشكل جليّ، أنّ محاولات تركية السياسية والعسكرية تأتي في إطار ثني الجيش السوري عن الوصول إلى إدلب وتحريرها، إذ تُدرك أنّ بعد إدلب سيتقدّم نحو عفرين والباب وجرابلس، خاصة أنّ هذه المناطق تُشكل بالنسبة لأردوغان انتصاراً استراتيجياً، عبر عمليتي «غصن الزيتون» و»درع الفرات».
وعليه، فإنّ أردوغان يُدرك بأنّ استمرار المُنجزات العسكرية السورية، بمثابة الإسفين الذي سيدقّ في نعش النظام التركي، وبالتالي الموت سياسياً وعسكرياً لأردوغان وأدواته.
وهنا يُطرح السؤال التالي، هل أردوغان قادر على المواجهة العسكرية مع الجيش السوري وبالتالي الحليف الروسي؟
والسؤال الأهمّ كيف سيكون خروج تركيا من المستنقع السوري بأقلّ الخسائر السياسية والعسكرية؟
في المحصلة، التصريحات الروسية الأخيرة لجهة أنّ تركيا لم تلتزم ببنود اتفاق سوتشي، والإرهابيين في إدلب حصلوا على نماذج خطيرة من المعدات العسكرية، وانّ موسكو مهتمة بعقد قمة بشأن الأوضاع في سورية تضمّ تركيا وألمانيا وفرنسا، يؤكد بأنّ روسيا وفق جيواستراتيجية خاصة، تُهندس الميدان السوري، ومتمسكة بالسيادة السورية على كامل الأرض السورية، وانها تحاول المضيّ قدماً في العلاقات الروسية التركية، الأمر الذي عبّر عنه الكرملين بالقول، «ندعو لعدم الحديث عن سيناريوات سلبية لتطور العلاقات مع تركيا في إطار تطورات الوضع في إدلب»
ورغم ما يشوب العلاقة الروسية التركية من توترات عديدة في مجالات مختلفة، واهمّها سياسات النظام التركي مع أدواته الإرهابية في الجغرافية السورية، إلا أنه عملياً وعلى الواقع، فإنّ الحلم العثماني شمال شرق سورية بات آيلاً للسقوط، وهذا بفضل اقتراب الجيش السوري من إدلب، إضافة إلى تقليم أظافر أردوغان ومشروعه في سورية، عبر مُنجزات سيُعاد صوغها سياسياً، وفق توقيت دمشق.
بقي أن نقول، إنه تحت عنوان «لماذا تدهورت العلاقات الروسيّة التركيّة؟» قال رئيس تحرير جريدة «البناء» ناصر قنديل إنّ «مشروع أردوغان للقمة الرباعية التي تضمّه مع الرئيس بوتين والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانيّة مواصلة للعبة المراوغة، بينما تجاهله لدعوة إيران لقمّة ثلاثية روسية تركية إيرانية في طهران ضمن مسار أستانة، إعلان استمرار في اللعب على حافة الهاوية، ولذلك سيستمرّ العقاب حتى يعود أردوغان إلى بيت الطاعة الروسي في سوتشي، أو يدفع الثمن الأكبر، بعدما تكشّفت له الوعود الأميركية أنها مجرد أوراق مخادعة، فقد ترك وحيداً كما حصل معه من قبل مرتين، مرة بعد إسقاط الطائرة الروسية، ومرة بعد بدء معركة حلب الأولى، ولم يحصل من واشنطن إلا على الكلام والبيانات، عساه يؤخر نهاية الجماعات الإرهابية فتشتري واشنطن الوقت بواسطته لترتيب انسحاب هادئ بلا هزيمة مدوّية، من شرق سورية».

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: