Tuesday, 28 April 2020

بعد الميادين جاء دور النفط والغاز وتسقط مملكة آل سعود


عندما قرّرت الدول الأوروبية سنة 2003، وبضغط أميركي، إطلاق مبادرة لإنشاء خط أنابيب غاز، منافس لخطوط الغاز الروسية، التي تزوّد أوروبا بالغاز، وقامت، سنة 2004 بتأسيس شركة أوروبية، لتنفيذ هذا المشروع، أسمتها: Nabucco Gas Pipeline international، وسجلتها في النمسا كشركة مساهمة نمساوية، بمشاركة كل من النمسا وألمانيا والمجر وبلغاريا ورومانيا وتركيا، لم يكن النظام السعودي يدرك أن هذه الخطوة هي الحجر الأساس في انهيار مملكة آل سعود وباقي مشيخات النفط الخليجى.
فعلى الرغم من ان هدف المشروع الاستراتيجي تمثل في محاولة أميركية لتوجيه ضربة لسوق الغاز الروسي، ضمن محاولات واشنطن إضعاف النفوذ الروسي في القارة الأوروبية، فإنّ جهات التمويل الخفية لهذا المشروع العملاق، أوروبية وأميركية، قد هدفت الى تحقيق الهيمنة التامة، ليس فقط على جزء من أسواق الطاقة / الغاز / الاوروبية، وانما على مصادر الغاز الطبيعي ايضاً. وذلك عن طريق دمج كل من تركمنستان وكازاخستان وأذربيجان وإيران والعراق وسورية وكذلك مصر و»إسرائيل» في هذا المشروع. وهي دول تملك احتياطات كبرى من الغاز.
شكلت سورية وإيران مشكلة أساسية وعقبة كأداء في وجه تنفيذ هذا المشروع وذلك لرفضهما المشاركة في تنفيذ ما اعتبروه مشروع هيمنة واستعمار، وكذلك لكونه مؤامرة تستهدف إلحاق الأذى بالدولة الصديقة لهما، وهي روسيا، فكان لا بد من البدء بالعمل على ترويض الدولتين تمهيداً لعملية الدمج.
وهو ما تطلب اولاً احداث ما عرف بفتنة العام 2009، الشهيرة التي اعقبت انتخابات الرئاسة الإيرانية والتي أفرزت جدلاً واسعاً حول نتائجها، فعملت القوى الاستعمارية على تصعيد الوضع الداخلي الإيراني لعلّ ذلك يؤدي الى اسقاط النظام كما كانوا يتمنون وتزول العقبة الأهم في طريق تنفيذ المشروع، بحجمه الكامل.
لكن حكمة القيادة الإيرانية والالتفاف الشعبي حولها قد أسقطا تلك المحاولة، الأمر الذي عجل بدفع القوى الاستعمارية (القوى الخفية التي موّلت بدايات المشروع)، بتكليف مشيخة قطر بتولي موضوع فك الارتباط بين الدولة السورية والجمهورية الاسلامية في إيران. حيث قام أمير قطر آنذاك، حمد بن خليفة، بزيارة لدمشق والتقى الرئيس بشار الأسد في صيف عام 2010، وعرض عليه تقديم مساعدات مالية، تصل الى 150 مليار دولار، مقابل فك ارتباط سورية مع إيران والموافقة على الدخول في مشروع انابيب نابوكو، المذكور اعلاه.
ولكن رفض القيادة السورية المطلق لتلك المؤامرة أدى بمديريها الى الانتقال للمرحلة الثانية منها، الا وهي معاقبة الدولة الوطنية السورية على رفضها هذا، وإشعال فتنة داخلية تمهيداً لشن الحرب العالمية المعروفة ضدها. وقد قامت مشيخة قطر، وفِي اطار الدور الذي كلفت به كما أشرنا اعلاه، ومنذ شهر ايلول 2010 بإطلاق عملية تسليح واسع لعناصر خارجة عن القانون في سورية. كما أرفقت عمليات التسليح بعملية تمويل وشراء ذمم واسعة النطاق في الداخل السوري. وبحلول نهاية عام 2010 كانت قطر، وبمساعدة مخابرات دول عربية اخرى، قد ادخلت الى سورية ما يكفي لتسليح فرقة عسكرية كاملة (1800 جندي) الى جانب 500 مليون دولار، دفعت لشراء ذمم مجموعات كبيرة من ضعفاء النفوس، الذين شاركوا في تحريك الفتنة.
وقد اعترف شيخ قطر، خلال زيارته لإيران ولقائه الرئيس محمود أحمدي نجاد، وخلال تصريح صحافي يوم 26/8/2011، بأنه « قدّم النصح للاخوة في سورية بالتوجه نحو التغيير». وتابع قائلاً: «إن الشعب السوري لن يتراجع عن انتفاضته…».
وكما هي غلطة ذاك الأمير القطري، سنة 2011، فها هو اليوم محمد بن سلمان وعلى سيرة من سبقوه من ملوك آل سعود، يخطئون في تقييم الدول التاريخية، مثل روسيا وسورية وإيران، ويسقطون سقطات مميتة. فبعد فشل مشروع إسقاط الدولة السورية وتفتيت محور المقاومة، ها هو بن سلمان يدخل حرباً جديدة، بعد جريمة حرب اليمن، وهي حرب أسعار النفط، مع الدولة العظمى روسيا الاتحادية، التي لا قدرة لديه على حتى مناكفتها. علماً أن سياسته هذه قد أسست، فعلياً وموضوعياً، لسقوط مملكة آل سعود وانهيارها من الداخل.
ولأسباب محددة وواضحة، نورد أهمها، للإضاءة على عوامل داخلية وإقليمية ودولية في هذا السياق:
ان دخول اي معركة حول النفط سيؤدي الى خسارة محتمة وذلك لانعدام القيمة السوقية للنفط في العالم. وهو الأمر الذي يميِّز روسيا عن مملكة آل سعود، حيث تعتمد الموازنة الروسية بنسبة 16% فقط على عائدات النفط بينما يعتمد بن سلمان بنسبة 95% على عائدات النفط.
ان مستقبل قطاع الطاقة في العالم سيكون قائماً على الغاز، الطبيعي والمسال، وذلك لأسباب بيئية واقتصادية. وهذا هو السبب الذي دعا روسيا، وقبيل بدء العشرية الثانية من هذا القرن، بالعمل على إفشال مشروع انابيب نابوكو للغاز، الذي كان يفترض ان يضارب على الغاز الروسي في الاسواق الأوروبية، اذ قامت روسيا بخطوات استراتيجية عدة أهمها:
شراء كامل مخزون الغاز الذي تملكه جمهورية تركمنستان، التي تملك ثاني أكبر احتياط غاز في العالم بعد روسيا، والبدء بإنشاء خط أنابيب غاز باتجاه الشرق، من غالكينيش ( Galkynysh )، في بحر قزوين، الى هرات ثم قندهار في افغانستان، ومن هناك الى كويتا ( Quetta ) ومولتان ( Multan ) في باكستان، وصولًا الى فازيلكا ( Fazilka ) في الهند. وهو ما يعتبر خطوة هامة على طريق تحقيق المشروع الصيني العملاق حزام واحد / طريق واحد.
قيام روسيا بتنفيذ مشروعين استراتيجيين، في قطاع الغاز، هما مشروع السيل التركي مع تركيا والسيل الشمالي مع المانيا. وهما مشروعان يعزّزان الحضور الروسي في قطاع الغاز، وبالتالي قطاع الطاقة بشكل عام، في أوروبا والعالم.
مواصلة روسيا تقديم الدعم السياسي الضروري لجمهورية إيران الإسلامية، للمحافظة على قاعدة التعاون الصلبة بين البلدين، وكذلك الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للجمهورية العربية السورية، منعاً لسيطرة الولايات المتحدة وأذنابها عليها، وتمهيداً لإنشاء سيل غاز روسي إيراني عراقي سوري ( لدى سورية احتياط غاز هائل في القطاع البحري المقابل لسواحل اللاذقية طرطوس ) جديد، لضخ الغاز من السواحل السورية، عبر اليونان، الى أوروبا مستقبلاً.
أما عن أسباب الدور المتصاعد للغاز في أسواق الطاقة الدولية فيعود الى ثبوت عدم إمكانية الاستمرار في الاعتماد على النفط، سواءً في تشغيل وسائل النقل الجوية والبرية والبحرية او في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية. يضاف الى ذلك فشل مشروع التحول الى السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، وذلك بسبب استحالة التخلص من بطاريات الليثيوم بطريقة غير ضارة بالبيئة. وهذا يعني أن من يمتلك الغاز هو من يمتلك المستقبل، في عملية التطور الصناعي والتجاري، وبالتالي المشاركة في قيادة العالم، وليس من يغرق الأسواق بالنفط كما يظن إبن سلمان ذلك النفط الذي لم يعد يهتم به احد ولم تعد له أي قيمة مباشرة، علاوة على فقدانه قيمته كسلعة استراتيجية.
وبناءً على ما تقدم فانه يجب طرح السؤال، حول مستقبل السعودية بلا نفط. ففي ظل استمرار هبوط أسعار النفط واستمرار تآكل ارصدة الصندوق السيادي السعودي، الذي كان رصيده 732 مليار دولار، عندما تسلم الملك سلمان وابنه محمد الحكم بتاريخ 23/1/2015 ، وتراجع هذا الرصيد بمقدار 233 مليار دولار خلال السنوات الماضية، حسب بيانات مؤسسة النقد السعودية الرسمية، نتيجة لعبث بن سلمان بأموال وأرزاق الأجيال السعودية القادمة، وفي ظل عدم وجود بديل للنفط لتمويل الموازنة السعودية السنوية، الأمر الذي دفع البنك الدولي الاعلان عن ان دول الخليج، وليس السعودية فقط، ستتحول الى دول مفلسة بحلول سنة 2034. البنك الدولي الذي عاد واستدرك تقريره مؤكداً قبل ايام بان هذا الموعد سيحل قبل العام ٢٠٣٤ بكثير، وذلك لأن المحافظة على مستوى الحياة الحالي في السعودية لا يمكن تأمينه بأسعار نفط تقل عن 65 دولاراً للبرميل. وهذا عدا عن أن أرصدة الصندوق السيادي السعودي (بقي منها 499 مليار فقط، بينما يبلغ رصيد صندوق الإمارات السيادي تريليوناً ومئتين وثلاثين مليار دولار)، المشار اليها اعلاه، لن تكون كافية، بالمطلق، لتأمين استثمارات تدر على الدولة السعودية من المال ما يكفي لتمويل الموازنة السنوية.
وعندما يقول الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست، في مقال له نشره على موقع ميدل ايست آي بتاريخ 22/4/2020، يقول إنه وبالرغم من المرسوم الملكي السعودي حول ان الحكومة السعودية ستدفع 60% من معاشات الموظفين، طوال فترة الإغلاق التي تطبقها البلاد في ظل كورونا، الا ان موظفي مؤسسة الاتصالات السعودية لا يتقاضون سوى 19% فقط من مستحقاتهم، كما أبلغوني، يقول الكاتب.
والى جانب ذلك فإنّ وزارة الصحة السعودية، التي حوّلت عدداً من الفنادق الى مراكز صحية لمعالجة المصابين بوباء الكورونا، لم تكتف بعدم دفع أية مستحقات لأصحاب تلك الفنادق فحسب، بل طلبت منهم تحمل تكاليف عمليات التعقيم والتطهير لفنادقهم قبل تسليمها لوزارة الصحة.
اما ما يعزز أقوال الصحافي البريطاني، ديفيد هيرست، الشهير بالموضوعية والمهنية الصحافية، فهو ما نشرته وكالة بلومبيرغ، حول تقرير للبنك الدولي نهاية العام الماضي 2019، جاء فيه ان جميع احتياطات السعودية النقدية، سواء ارصدة الصندوق السيادي او البنك المركزي السعودي او مبلغ المئة وثلاثة وثمانين مليار دولار، الذي تحتفظ به السعودية في وزارة الخزانة الأميركية، لن تكون كافية، سنة 2024، سوى لتغطية المستوردات السعودية لمدة خمسة أشهر فقط، هذا اذا ما تراوح سعر برميل النفط بين 50 – 55 دولاراً، كما يقول الكاتب ديفيد فيكلينغ ( David Fickling )، في مقال له على موقع وكالة بلومبيرغ الالكتروني بعنوان: إن تراجع وسقوط امبراطورية النفط في الخليج بات يقترب / أو يلوح في الأفق.
وهذا يعني، وبكل موضوعية، ودون تحيُّز أن حرب اسعار النفط، الدائرة حالياً، والتي أشعلها محمد بن سلمان، لن تنقذه من مصيره المحتوم، وكذلك بقية دول الخليج النفطية، ولو بشكل متفاوت، لأن احتياطاتها النقدية سوف تواصل التآكل، مع اضطرار الحكومات المعنية لمواصلة السحب منها، لتغطية عجز الموازنات السنوية الناجم عن تدهور اسعار النفط وتراجع المداخيل المالية. هذا الى جانب ان تلك الصناديق او الاموال الاحتياطية لم تستثمر في مجالات تدر أرباحاً عالية لتكون قادرة على تغطية نفقات الدولة صاحبة الاموال، في حال انهيار اسعار النفط او نضوبه. اي ان تلك الدول ولأسباب سوء الادارة الاستثمارية قد فشلت في الاستفادة من تلك الأموال وتحويلها الى شبكة أمان لمستقبل أجيالها القادمة.
وهو الامر الذي سيؤدي حتمًا الى انهيار ثروات دول الخليج، واضطرار حكوماتها الى فرض ضرائب عالية على مواطنيها، وبالتالي حرمانهم من مستوى الحياة التي عاشوها حتى الآن، مما سيسفر عن زلازل اجتماعية، لا قدرة لحكومات تلك الدول على احتوائها، وبالتالي فإن نتيجتها الحتمية ستكون انهيار تلك الحكومات والدول وزوالها من الوجود. وهو الأمر الذي لن يأسف عليه حتى صانعي تلك المحميات، من الدول الاستعمارية الغربية، وذلك لانتهاء الحاجة لوجود الدول الوظيفية في المنطقة، ومن بينها الكيان الصهيوني، ذلك لأن مبررات وجود تلك الدول، مثل النفط والقواعد العسكرية، قد انتهت لأسباب عديدة، ليس هنا مقام التوسع فيها، بينما يكفي القول إن نهاية انتشار وباء الكورونا سيشكل ايضاً نقطة النهاية لسياسة الهيمنة الأحادية القطبية على العالم، مما سيضطر جميع الدول الغربية، دون استثناء، الى سحب قواعدها من دول المنطقة وترك شعوب المنطقة تقرر مصيرها بنفسها وتقيم نظاماً أمنياً اقليمياً، يضمن استقرارها واستكمال تحررها، في إطار النظام الدولي الجديد المرتقب، والذي لن يكون فيه مكان لقوى الاستعمار التي نعرفها.
عالم ينهار، عالم ينهض…
بعدنا طيبين، قولوا الله…

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: