–
أن تكون زيارة وفد حكوميّ روسيّ رفيع الى دمشق هي الزيارة الثانية لوزير الخارجية الروسيّة سيرغي لافروف لسورية، فذلك يعني رمزيّة يُراد لها أن تؤشر لما هو غير عادي، وأن يقول لافروف في ختام الزيارة إن عودة الوضع الطبيعيّ في سورية بنسبة كبيرة يفتح ملف إعادة الإعمار كأولوية، وأهمية حشد الدعم الدولي لذلك، فهذا يعني أن ثمة في المضمون ما يدعو لمناقشة على درجة عالية من الجدية للمشهد الدولي والإقليمي وبلورة توجهات تتصل بتحديد الوجهات المستهدفة في عملية إعادة الإعمار على خلفيّة سقوط الرهانات الخارجية على العبث بالاستقرار الداخلي في سورية، ونجاح مشروع الدولة السورية في فرض حضوره والصمود بوجه التحديات بدعم مستمر ونوعي وثابت من الحلفاء، فماذا عساه يكون، إضافة لما يمكن أن يقدمه تعزيز دعم الحلفاء في روسيا وإيران للدولة السورية وتعزيز التعاون الاقتصادي مع القطاعين العام والخاص في سورية، ليحتاج اللقاء على هذا المستوى من الأهمية التي أريد تسليط الضوء عليها؟
–
خلال سنوات قليلة مضت كانت روسيا وهي تقدم نموذج علاقتها مع تركيا، بالتعاون مع إيران، تتوجّه نحو الحلقة الثانية من التموضع في صفوف حلف الحرب على سورية، للانتقال من ضفة الحرب إلى ضفة السلم، والحلقة الثانية تمثلها فرنسا المهتمّة منذ زمن بإعادة الإعمار في سورية، وفي عيون موسكو أن الوقت حان لباريس التي تدرك وصول الحرب على سورية إلى طريق مسدود، كما تدرك حجم التوازن الذي تحرص عليه موسكو بين أنقرة وباريس في ليبيا، تعرف وقد بدأت مهمة رعاية النهوض الاقتصادي في لبنان من بوابة التسوية السياسية، أن البداية من لبنان تعني التحضير للتوجه نحو سورية، العمق الطبيعي للاقتصاد اللبناني، وممره الإلزامي نحو الأسواق العربية في الخليج والعراق، وعمقه السياسي في بيئة استراتيجية يشكل النفط والغاز طرفها الأول، والصراع بين محور المقاومة والحلف الأميركي الإسرائيلي طرفها الثاني، وتقف روسيا على نقاط ومفاصل هاتين المعادلتين بدقة تعرفها باريس، تفتح الطريق الموازي الذي لا بد منه لمبادرة فرنسية تسير بين النقاط في المعادلتين على الضفة اللبنانية، لا تكتمل من دون أن تتحصن بالتوجه نحو سورية.
–
فرنسا بعيون روسية تمثل ثلاث معادلات ترسم موقفها وموقعها، فهي شريك روسيا في التمسك بالاتفاق النووي الإيراني الذي خرجت منه واشنطن، ومؤخراً وقفت فرنسا مع روسيا في وجه المسعى الأميركي لتجديد الحظر على السلاح على إيران خلافاً لما ينص عليه الاتفاق النووي، وفرنسا منافس لتركيا في المتوسط وتحتاج لتوازن دولي وإقليمي معها على مستوى الفاعلين في البيئة الاستراتيجية الواحدة، وطرف التوازن هنا هو روسيا وإيران، وهما على تواصل مع فرنسا وسمعتا منها رغبة واضحة بالتعاون الإقليمي الذي تعرف فرنسا أن بوابته سورية، وفرنسا أظهرت في لبنان رغبة بتوجيه رسالة مفادها أنها لا تأتي لتنفيذ أجندة تقييد وحصار الحليف اللبناني لروسيا وإيران في سورية الذي يمثله حزب الله، الحليف الاستراتيجي للدولة السورية الذي يحمّله بعض خصوم سورية مسؤولية هزيمتهم في الحرب عليها، ولدى فرنسا معطيات كافية عن مساع تركية لطلب الدعم من حزب الله وروسيا وإيران لوراثة الدورين السعودي والفرنسي في لبنان، مقابل تنازلات تركيّة في سورية، ولم تلق الدعوات التركية الاستجابة التي كانت تسعى إليها أنقرة.
–
موسكو التي تعمل على خطّ حوار بين الدولة السورية والجماعات الكردية التي تربطها علاقات مميزة بفرنسا، ضمن معادلة خروج أميركي سلس من سورية، كما تعمل على توسيع نطاق الترتيبات المشتركة مع تركيا في منطقة ادلب لتعزيز الاستقرار وتقدّم مسار حضور الدولة السورية بالتوازي مع تقدّم المسار السياسي الذي كانت تعتبره فرنسا شرطاً للتقدم نحو مشروع إعادة الإعمار، هي موسكو التي تعلن عن أولوية إعادة إعمار سورية وحشد الدعم الدولي لها لتمنح فرنسا فرصة تلتقطها لبلورة صورة أشمل للدور المتوسطي لفرنسا الذي لا يكتمل بدون الحلقة السورية، وفي سورية دولة رفضت علاقات تحت الطاولة عرضها الفرنسيون مراراً، وكان جوابها على مثل هذه الدعوات المتكررة أن الأولوية هي لعودة العلاقات الدبلوماسية، وأن السفارة الفرنسية في دمشق هي الجهة الصالحة لبحث كل الأمور ذات الاهتمام المشترك.
–
في زمن عقوبات قانون قيصر تبدو فرنسا مدعوة لموقف مشابه تجاه سورية من الموقف تجاه لبنان، بالفصل بين مسار الإعمار في سورية ومسار المواجهة الأميركية مع إيران، أسوة بمسعى الفصل بين إنقاذ الاقتصاد اللبناني ومسار المواجهة ذاته.
فيديوات متعلقة
مقالات متعلقة
No comments:
Post a Comment