بعد أقلّ من شهر على زيارة وكيل وزارة الخارجية للشّؤون السّياسية ديفيد هيل، وفي ظلّ أزمة سياسيّة واقتصادية يشهدها لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي وبعد زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون وصل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر إلى بيروت آخر محطاته، معلناً أنّ أولوية لقاءاته ستكون مع ممثلي المجتمع المدني لمناقشة آلية المساعدات الأميركية للبنان، وأنّ من مهماته حثّ القادة اللّبنانيين على تنفيذ الإصلاحات التي تلبّي مطالب اللبنانيين في الشفافية والمساءلة، من خلال تشكيل حكومة لا مكان فيها للفساد، وذلك وفقاً لبيان وزارة الخارجية الأميركيّة الذي لم يأتِ على ذكر نشاط زيارة شينكر للبنان مكتفياً بذكر اللّقاء مع ممثلي المجتمع المدني مستبعداً لقاءه بالرّؤساء الثلاثة والكتل والقوى السياسيّة، مع العلم أنّ السبب الرئيس للزيارة هو استكمال مناقشة قضية ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة.
أولى رسائل البلطجة الأميركية جاءت على لسانه حين اعتبر أنّ حزب الله المنتخب ديمقراطيّاً لا يمثّل الشعب اللبناني، وإنْ كان أكثريةً فقانون الانتخابات الذي فاز به الحزب والثنائي الشّيعي هو قانون غير عادل، مضيفاً أنّه لا يؤمن بأنّ حزب الله منظمةٌ سياسيّة شرعيّة وإنّما هو منظمة إرهابيّة. فالمنظمة السياسية لا تملك ميليشيات، مضيفاً انّ موقفنا واضح من حزب الله، مشيراً إلى أنّ بلاده تقدّر المبادرة والجهود الفرنسية بالرّغم من وجود بعض الاختلافات الصغيرة بين البلدين، موضحاً بأنّ «الحكومة الجديدة يجب ألا تكون كالتي سبقتها»…
تصريحات شينكر جاءت بالتّزامن مع تصريحات المتحدّثة باسم الخارجيّة الأميركية مورغان أورتاغوس التي أكّدت أنّ واشنطن لا تريد أن يكون حزب الله جزءاً من الحكومة اللّبنانية، مضيفة أنّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تعمل كالمعتاد مع لبنان، في ظلّ التهديدات التي يفرضها حزب الله، ومن دون التعهّد بالقيام بإصلاحاتٍ بطريقةٍ شفافة مؤكّدة أنّ أميركا تعمل عن كثب مع فرنسا لدعم لبنان، وأنّه يجب تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها اللبنانيون.
تصريحاتٌ أميركيّة لا بل تهديداتٌ واضحة وصريحة تحمل الكثير من التحريض على المقاومة وتحضّ على انقسام اللبنانيين وتناحرهم وتهيئة الأجواء لما هو أكبر وأخطر ممّا أعلنوا عنه. بالرّغم من ذلك لم ترتفع أصوات أدعياء السيادة والاستقلال استنكاراً للبلطجة التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركيّة في مشهدٍ يذكرنا بأفلام الكاوي بوي ليحوّلوا لبنان إلى ولاية تشبه ولاية تكساس ولم نر أحداً من ثوار الاستقلال الجديد يستنكر هتك الأميركيين للسيادة اللّبنانية من خلال الدخول إلى لبنان بصفةٍ ومهمّة رسمية وتعمد تجاهل الرّئاسات الثلاث علماً أنّ هذا العمل وبموجب القوانين اللبنانية والدوليّة وكلّ الأعراف يشكّل خرقاً للسيادة لا يقلّ خطورة عن خروقات العدو الإسرائيلي ضدّ لبنان. ديبلوماسيون أميركيون يصولون ويجولون في البلاد بينما هم على أرض الواقع يقومون بدورٍ إرهابي وتحريضي بين اللبنانيين من دون أيّ رادع لهم…
كلّ ذلك يأتي بالتزامن مع الحديث عن تعديل مهام قوّات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان إضافة إلى الالتزام بدعوة البطرك الراعي الى انتهاج سياسة الحياد وتسليم السلاح غير الشرعي للدولة مع اقتراب الانتخابات الأميركية التي تشير لغاية الآن إلى السقوط المدوّي لدونالد ترامب. محاولات استباقية تجري لإنقاذه من خلال الإسراع في ضمّ لبنان إلى «صفقة القرن» ومن خلاله الالتفاف على سورية ومحاولة إعادة إحياء وهم إسقاط الرئيس بشار الأسد، وتحقيق إنجازٍ نوعي بضرب محور المقاومة ورأس حربتها المتمثّلة بحزب الله في لبنان، من دون أن ننسى دور رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الذي لم يوفّر جهداً في محاولته لإلغاء فصائل المقاومة في الحشد الشعبي والذي هو مطلب أميركي و»إسرائيلي».
إذاً هو مخططٌ يستهدف محور المقاومة وعلى رأسه المقاومة في لبنان ضمن مخطط توفّرت فيه كلّ عناصر الدّعم من مالٍ وسلاح وتغيير مهام قوّات الطوارئ وتحويلها إلى قوّة مساندة لجيش العدو الاسرائيلي والاستعانة ببعض السياسيين اللّبنانيين المرتهنين للسفارة الأميركية، وما يُسمّى بمؤسّسات المجتمع المدني وبعض المرجعيّات، كلّ ذلك في مواجهة المقاومة التي ترعب الكيان الصهيونيّ الغاصب. لكن على ما يبدو أنّ البلطجيين والأميركيين ومن معهم سرعان ما نسوا التاريخ من قمّة شرم الشيخ وما قبلها وما بعدها من قراراتٍ صدرت عن الجامعة (العربية) لم تنل من المقاومة حين كانت في بداياتها فكيف بهم اليوم وقد تحوّلت هذه المقاومة إلى محور لا بل إلى أمّةٍ مقاومة لن يكون حليفها سوى الانتصار الذي لم يدرك معناه إلّا المقاومون الشّرفاء في الأمّة
No comments:
Post a Comment