– نظراً لدسامة المواد التي تضمّنها كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الملفات الإقليميّة من جهة، ولمحدوديّة الوقت الذي تحدّث فيه بإيجاز عن الوضع اللبناني من جهة مقابلة، لم ينل هذا الجانب من حديث السيد نصرالله الاهتمام الذي يستحق، لكن المعنيين بالشأن اللبناني في الداخل والخارج بعدما هضموا خلال يومين المواقف اللافتة التي صدرت عن نصرالله في الشؤون الإقليميّة وتقييم المعلومات التي كشف عنها والسقوف التي عالج من خلالها قضايا المنطقة، عادوا لتفحص ما قاله نصرالله لبنانياً فتوقفوا عند حجمها المحدود من جهة، كتعبير عن المكانة والأولوية اللتين تحتلهما القضايا الإقليميّة بحكم طبيعة المنبر الذي تمثله قناة الميادين التي أطلّ من خلالها نصرالله لمخاطبة جمهور أوسع من الجمهور اللبناني، الذي يمكن مخاطبته عبر قناة المنار كما جرت العادة بعدما حرمت المنار من فرصة الانتشار العربي والعالمي بحظرها عن بث الأقمار الصناعيّة، وربما أيضاً لأن اللحظة السياسية تضع الملفات الإقليميّة في الواجهة، سواء بسبب الفترة الانتقالية الرئاسية الأميركية وما تفرضه من تحديات، أو بسبب حرص السيد على منح الوقت والتركيز على قضية اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في سياق إحياء ذكرى اغتياله.
– رغم محدوديّة الوقت الذي خصصه نصرالله للشأن اللبناني فهو كشف عن أمرين لافتين، الأول يتصل بالحلول المفترضة للأزمة الاقتصادية، والثاني يتصل بالشأن الحكوميّ، وفي الشأن الاقتصاديّ تولّى تقديم إيضاح هام لتفسير عدم السير بالخيار الذي سبق ودعا للسير به، تحت عنوان التوجه شرقاً، خصوصاً بعدما تمّ الترويج لتفسير تعثر هذا المسار بعقبات تتصل بعدم واقعيّته، حيث تصدّى خصوم هذا الخيار للأمر من باب الترويج لتقارير ومعلومات تتحدّث عن عدم جهوزية الصين للتجاوب مع دعوات التوجه شرقاً، ولعدم قدرة إيران على تلبية متطلبات ما يترتّب على السير اللبناني بهذا التوجّه، لكن نصرالله أعاد طرح التحدي بالتأكيد على جدية الاستجابة خصوصاً من الصين وإيران، مفسّراً سبب الإحجام عن السير بخيار الشرق الى عدم نضج الموقف اللبناني الداخلي متحدثاً عن أن المسألة مسألة خيارات في لبنان، موحياً بأن القضية لم تنضج لدى الأطراف اللبنانية خصوصاً بين حلفاء حزب الله لترجمة هذا الخيار، بحيث إنه سيبقى خياراً مطروحاً على الطاولة حتى يختبر الجميع الخيارات الأخرى، فإن أفلحت عندها لا مشكلة لدى حزب الله في السير بها، لكن في حال تعثرت أو ظهرت كلفتها المرتفعة سياسياً أو اقتصادياً فعندها سيكون الطرح بالدعوة مجدداً لاختبار فرضية التوجه شرقاً جاهزاً. وكلام السيد نصرالله عن مسألة الخيارات يؤكد أن التحالفات التي يقيمها لا تعني التطابق في الرؤى، خصوصاً في الشق الاقتصادي حيث الخيار الغربي لا يزال هو المفضل عند الحلفاء الوازنين في معادلة الحكم، وكان لافتاً كلام السيد نصرالله عن عدم التجاوب مع عرضين إيرانيين واحد لتأمين المشتقات النفطية التي تمثل ثلثي مطلوبات العملات الصعبة في لبنان، مقابل سداد قيمتها بالعملة اللبنانيّة، والثاني لتأمين مستلزمات إعادة إعمار ما دمّره تفجير المرفأ من إسمنت وزجاج وألمنيوم وسواها من مكوّنات العمران، وعدم التجاوب هنا لا يقصد به حكماً الخصوم الذين لم يكونوا مع تقديم هذه العروض وليسوا اليوم، في السلطة المقرّرة.
– في الشأن الحكومي كان لافتاً حصر السيد نصرالله للعقد التي تعترض طريق تشكيل الحكومة بالشق الداخلي، بعد شبه إجماع للمتابعين والمحللين في الداخل والخارج لربط الحكومة بانتقال السلطة الرئاسيّة الأميركيّة الى الرئيس المنتخب جو بايدن، سواء مَن يقول ذلك متهماً الرئيس المكلف سعد الحريري بعدم القدرة على تشكيل حكومة يتمثل فيها حزب الله ولو بطريقة غير مباشرة عبر اختصاصيين يسمّيهم، وتراجعه عن تعهده لحزب الله بقبول تسميته لوزيرين من وزراء الطائفة الشيعيّة، بسبب التزامه بفيتو أميركي وسعودي واضح وصارم على أي توزير لحزب الله، ورفض أميركي سعودي للتعامل مع أي حكومة فيها شبهة هذا التمثيل. واعتبار التجاذب القائم بين الحريري ورئيس الجمهورية ذريعة حريريّة للتهرّب من تشكيل الحكومة بانتظار زوال مرتجى لهذا الفيتو مع تسلم بايدن للرئاسة واتجاهه لإعادة العمل بالتفاهم النووي مع إيران، وبالمقابل مَن يقول إن حزب الله يقف وراء تشدد رئيس الجمهورية لتعطيل ولادة الحكومة خدمة لربط تشكيل الحكومة بتفاوض إيراني أميركي بعد تسلم بايدن للرئاسة، وفيما يقف حلفاء حزب الله وراء التفسير الأول وقف خصومه وعلى رأسهم النائب السابق وليد جنبلاط وراء التفسير الثاني، وجاء كلام المبعوث الأممي يان كوبيتش عن انتظار السياسيين اللبنانيين لتسلم بايدن لفتح طريق ولادة الحكومة ساخراً، ليمنح المصداقية لهذا الربط، فجاء كلام السيد نصرالله كالماء البارد على رؤوس الجميع، فهو لم يقدّم التغطية لمطالب رئيس الجمهورية الحليف العماد ميشال عون، كي يضحك جنبلاط في سرّه ويغمز مؤشراً الى الربط التفاوضي، ولا هو اتهم الحريريّ بالربط أو حمّله المسؤولية، كي يضحك الحلفاء ويصفقون، فقال السيد نصرالله إن الأسباب داخلية وتتصل بالثقة المفقودة بين الرئيسين عون والحريري كاشفاً عن تواصل إيجابي مريح مع الحريري، ما يعني ثقة بأن لا مشكلة بتمثيل حزب الله حكومياً لدى الحريري، وثقة حريرية بأن حزب الله يقف في الوسط في قضايا الخلاف الحكومي وربما يكون وسيطاً أكثر مما هو طرف.
– كلام السيد نصرالله في الشأنين المتصلين بالداخل اللبناني فيهما إيضاحات لا تملك مصداقيتها إلا بصدورها عن شخص بمكانة ومسؤولية وحجم اطلاع السيد نصرالله، وتمنحان الأمل سواء لجهة بقاء الخيار الشرقي بديلاً ممكناً على الصعيد الاقتصادي ينتظر قناعة المسؤولين في الداخل لا أكثر ولا أقل، أو لجهة إمكانية تجاوز الأزمة الحكومية ببدائل وحلول داخلية لا علاقة لها بما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية، وربما تتيح ولادة الحكومة قبل تولي بايدن مقاليد الرئاسة الأميركية، وبمسعى من السيد نصرالله.
No comments:
Post a Comment