الخميس 12- 08-2021
–
الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مخاطبته لجمهور المقاومة ونخبها وصناع الرأي فيها في سياق خطبته في مناسبة عاشوراء، متناولاً قواعد الحرب الإعلامية، وتوقفه أمام الحاجة إلى نبذ لغة الشتيمة والتجريح الشخصي، حتى في سياق الرد على الشتيمة والتجريح، مستعيداً قول الإمام علي لقادة جيشه أثناء حرب صفين، “لا أريد لكم أن تكونوا سبّابين شتّامين “، بعدما بلغه أنهم ردوا على شتيمة قادة جيش معاوية لعلي نفسه بمثلها، هام جداً وجدير بالتوقف أمام مشهد الخطاب السياسي والإعلامي الذي تحول إلى السباب والشتائم.
–
الدعوات التي أطلقت استنكاراً للتعرض لمقام البطريرك بشارة الراعي، عبرت عن جزء من المشكلة التي يعاني منها التخاطب السياسي في لبنان منذ سنوات، وهنا تجب المصارحة في جذور شيوع هذا المناخ، حيث يسجل لقادة قوى الرابع عشر من آذار سبق الفتح والمبادرة مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري لابتكار نظرية الشتم السياسي تحت شعار الغضب، وقد نال الرئيس السوري بشار الأسد النصيب الأكبر منها، وزاره بعد سنوات اعتذاراً عن إطلاق الاتهام السياسي لسورية بالاغتيال، قائدان بارزان من قادة الحركة كان لهما باع طويل في إطلاق الشتائم منذ لحظة الاغتيال حتى زيارة كل منهما لدمشق، ودليلاً على أنّ الشتيمة كانت منهجاً سياسياً واعياً وليست تعبيراً عن الغضب، عاد هذان الزعيمان وغيرهما إلى لغة الشتيمة بحق الرئيس السوري بعد أحداث سورية عام 2011 من دون وجود أي مقدمات لنزاع يخصهما أو يخص لبنان في تلك الأحداث، والدلالة الأهم على أنّ الشتيمة كانت منهجاً، ما جرى مع السيد نصرالله نفسه إثر حرب تموز وتوصيف سلاح المقاومة بسلاح الغدر والخيانة، وهذا كان قبل أحداث 7 أيار 2008، التي يمكن فهم الغضب والانفعال خلالها، وفي تصريح علني لأحد قادة هذه الحركة قال: لقد حققنا إنجازاً بإسقاط الهالة عن السيد نصرالله، وجعله في التداول يُشتَم ويُهان، وفي ذلك كسر لمعادلة المهابة.
–
لم يُخفِ الأميركيون و”الإسرائيليون” قناعتهم بنظرية إعلامية عنوانها كسر المهابة، رافقها تنظير لموقع مهابة القادة في معادلات موازين القوى، خصوصاً عند الحديث “الإسرائيلي” عن مكانة ومهابة السيد نصرالله في صناعة موازين الردع، وبعد تجربة قوى الرابع عشر من آذار جاءت تجربة 17 تشرين التي خرج من اعتبروا أنفسهم قادتها ونصّبوا أنفسهم ناطقين بلسانها، للتنظير للشتيمة بصفتها جزء من صناعة موازين القوى لإسقاط ما يسمّونه بالطبقة السياسية، فصار “الهيلا هيلا هو “ الذي استهدف والدة النائب جبران باسيل، بالتعرُّض لشرفها، مدعاة تفاخر بصفته إنجازاً فكرياً وثقافياً، صنعته إحدى كبريات شركات الإعلان، وقبضت لقاءه مبلغاً دسماً، وهذا يؤكد النظرية وصاحبها الأميركي، فقد سبق ذلك كلام الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان عن أولوية النيل من باسيل كمهمّة راهنة في الحرب على حزب الله وكيفية استثمار الانتفاضة في ذلك.
–
في الحصيلة ثبت أنّ كلّ محاولات شيطنة الرئيس السوري والسيد نصرالله لم تغير في موازين الصراع، فانتصرت سورية في حربها ووقفت أغلبية الشعب السوري وراء رئيسها وزادتها الشتائم تمسكاً به وتماسكاً معه، وسجلت المقاومة بقيادة السيد نصرالله مزيداً من النمو الشعبي والعسكري وصناعة المعادلات الجديدة، ولم تفتّ الشتائم في عضدها ولم تفلح في إضعافها، وثبت بالفعل أنّ الشتيمة هي حجة الضعيف الفاقد للمنطق والحجة كما قال السيد نصرالله في دعوته جمهور المقاومة إلى الابتعاد عنها، لكن هذا لا يجب أن ينفي الحاجة إلى مراجعة فوارق حقيقية بين تورط بعض الغاضبين في جمهور المقاومة من كثافة الشتائم التي تلحق بهم وبرموزهم باللجوء إلى الرد على الشتيمة بمثلها، من دون أن يتورط قادة ورموز بمثل هذا الفعل، ومهم جداً أن يدعوهم السيد نصرالله إلى الامتناع عن ذلك، وبين كون التجريح بالمقاومة ورموزها لا يأتي في سياق ردّ فعل جمهور غاضب من الشتيمة والتجريح، بل هو متجذر وسابق لها عن سابق تصور وتصميم، يأتي تعبيراً عن سياسة، ولمن يحتاج إلى دليل، نسأل ماذا يعني أن يغرد أحد قادة حركة الرابع عشر من آذار باسمه الصريح فيقول “السيد نصرالله لا يستحي” ، وماذا يعني أن يغرد آخر علناً فيقول “السيد نصرالله يكذب”، وماذا يعني أن يخرج مقام محترم بالقول إن حزب الله كله ليس لبنانياً وهو مجرد امتداد إيراني في لبنان؟ ومعلوم أنّ هذا طعن يصيب في الكبد أسر آلاف الشهداء الذين سقطوا لتحرير لبنان من الاحتلال، وقد سبق للمقام المحترم نفسه أن قال إنه يقدّر لهم تضحياتهم، أليس هذا كله استفزاز لاستثارة الغضب؟ ورغم صحة دعوة السيد نصرالله إلى إجهاض الهدف بعدم الاستجابة للاستفزاز وكظم الغيظ والغضب والرد بالحجة والمنطق، يجب توجيه السؤال للذين استنكروا ما اسموه التعرض لمقام البطريرك، ألم يكن أفضل لهم وللبنان أن يلتزموا هم أولاً بوقف الشتائم، وأن يتبنوا بحصيلة التجربة المرة الدعوة إلى ميثاق شرف سياسي إعلامي يترفع عن التجريح والإهانات والشتائم، ومعيار ما هو مقبول وماهو غير مقبول يبدأ من عدم طعن أحد بلبنانية ووطنية أحد، وعدم تعرض أحد لأخلاق وقيمة أحد؟
–
نعم لا يجوز النيل من كرامة أحد، والشتيمة إساءة لصاحبها قبل أن تكون إساءة لمتلقيها، ومناقشة المقامات في قولها السياسي حقّ مشروع، لكن المطلوب أن يكف البعض عن وهم الاعتقاد بأنّ الشتيمة تعدل موازين القوى ويشجع على ممارستها ويرفضها انتقائياً ونفاقاً، لأنّ الطريق لنبذها، هو الإجماع على النبذ وفي كل اتجاه، ومهما كانت جهود السيد نصرالله وأمثاله عظيمة ومشكورة ومطلوبة، فيد واحدة لا تصفق لكنها تطلق النداء، فهل من مستجيب؟
No comments:
Post a Comment