الأردن... الجنون و سوريا
ناهض حتر
لم تعد خطط إنشاء منطقة عازلة أو أكثر في الأراضي السورية المحاذية للحدود
الأردنية، مجرد تسريبات، بل ربما إنها قيد الإعداد، أو حتى على شفا التنفيذ. الفكرة
تبدو بريئة وبسيطة ومسالمة: لن نتدخّل عسكريا، فقط تدريب مقاتلين سوريين معتدلين
وتسلّيحهم بأسلحة نوعية، وهكذا يتمكنون من الحفاظ على مناطق سيطرتهم التي ستشتمل
على معسكرات للاجئين ومراكز صحية وتموينية. وبالنتيجة، سوف تحصل النتائج التالية:
(أ) وقف موجة اللجوء السوري إلى الأردن، (ب) تأمين الحدود الأردنية من تسلل
السلفيين الجهاديين من مقاتلي جبهة النصرة وسواها من المنظمات الإرهابية، (ج) وذلك
من دون أن نفقد الحياد إزاء الأزمة السورية!
يمكننا أن نحسد أنفسنا على هذه الخطة العبقرية للتدخل الجراحي في سورية، لكن
يظل ينقصها للأسف شيء من الواقعية والصدقية.
في باب الواقعية، هناك أسئلة منها (1) هل ننتظر، بالفعل، أن يضمن بضعة آلاف
من المقاتلين السوريين ـ حتى لو كانوا مدربين على أيدي الأميركان ومسلحين بأسلحة
نوعية ـ أمن المناطق العازلة الإنسانية في مواجهة الجيش العربي السوري؟
(2) ألا يخلط هذا التصور بين قدرة المعارضين المسلحين على المناورة
والاشتباك والسيطرة على مناطق في إطار معركة كر وفر، وبين قدرتهم على تأمين منطقة
آمنة للاجئين والعمليات الإنسانية؟
(3) وحتى لو افترضنا ذلك، فمن الواضح أن تلك المناطق الآمنة، ستظل عرضة
للقصف الجوي السوري، فهل يمكن إدامتها من دون غطاء جوي؟ ومَن سيقدم هذا الغطاء؟ وما
دورنا فيه؟ ومن أين سينطلق؟
(4) هل يعتقد مدبرو الخطة حقا أنه يمكن لكتائب المعارضة المعتدلة ، أن تخوض
معركتين، في الآن نفسه، مع قوتين أكبر وأشرس منها، هما الجيش العربي السوري وجبهة
النصرة معا؟ ثم مَن الذي يجزم بأن الجماعات المسلحة على الأرض ليست متداخلة؟ ومن
يضمن ألا يستفيد الإرهابيون من الدعم اللوجستي والعسكري ؟
بالمحصلة، أولا، لن تكون هناك مناطق آمنة وإنسانية في الأراضي السورية على
حدودنا، من دون تدخل عسكري أردني أو منطلقا من الأردن. وهذا يعني ليس فقط تورّط
الأردن في الحرب السورية، بل يشكّل إعلان حرب على دمشق، والدخول في صراع مسلح سوف
يؤدي إلى المزيد من اللجوء السوري والأردني نحو الوسط والجنوب، (2) وعندها، سوف نجد
أنفسنا، شئنا أم أبينا، في مواجهة انحلال الأمن في المناطق الحدودية على الجانبين،
وسوف تغدو جبهة النصرة بين ظهرانينا.
إنها خطة مقامرة ـ لا مغامرة ـ سوف تكلّف الأمن الوطني فاتورة باهظة فوق
احتمال البلد، وتضعنا مباشرة في صدام مع سورية وحلفائها والعراق وروسيا، وتضرب
مصالحنا الوطنية الحالية والمستقبلية.
لا تقولوا لي إننا مضطرون للمغامرة ـ المقامرة تحت ضغط اللاجئين ، عندها
نأتي إلى الصدقية؛
(1) فمنذ ثلاثة أشهر يلاحظ المراقبون وجود تسهيلات استثنائية
لتشجيع اللجوء السوري إلى الأردن. وقد فهمنا الآن أن تلك التسهيلات لم تكن سوى
مقدمة للتورّط،
و(2) بالموازاة، اتضح أن تدريب وتسليح ” المعتدلين” ليس موجها ضد ”
النصرة”. فهذا غير واقعي ميدانيا، وإنما القصد منه هو، كما كتب زميل مطلع، “فتح
الطريق نحو دمشق” ! فهل ما نزال محايدين؟
العرب اليوم
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment