Saturday, 24 September 2016

رعاة البقر يفاجئون الفرسان في “دير غراد” .. والقوات الجوية لداعش تظهر لأول مرة

نارام سرجون

أرجو ألا تكونوا قد أضعتم وقتكم في الاستماع الى بيان وزارة الدفاع الاميركية لشرح وجهة نظرها حول ماحدث من “احتكاك” غير مقصود مع الجيش السوري

.. وأتمنى فعلا ألا يكون احدنا قد ألقى بالا الى بيان التمويه عن(النار الصديقة) الذي صدر عن القيادة العسكرية الاميركية .. وأرجو بكل حرارة ألا يكون احدنا قد انخرط في جدال مع أحد ليؤكد على صحة الاستنتاج بارتباط داعش بالمشروع الاميركي .. لأننا عبثا بهذا الجدل نحاول أن نملأ السلة بماء الحقيقة .. ومن نجادل دوما له دماغ يشبه سلة لاتحتفظ بالماء ولن تمتلئ بالماء ولو غرفت بها ماء المحيط .. وحتى ان سكبت فيها ماء البحر حتى آخر قطرة في البحر .. فالسلة سلة والماء ماء .. بل ان العبث بعينه هو أن تكون هوايتنا جمع الادلة على ارتباط داعش والسي آي ايه .. لأن داعش والنصرة والاسلاميين هم القوات البرية للجيش الاميريكي في الشرق الاوسط منذ حرب أفغانستان .. وبالمقابل فان سلاح الجو الاميركي هو القوات الجوية لداعش والنصرة والاسلاميين .. وان أي محاولة لجمع الادلة عن هذه الحقيقة هي بمثابة الاهانة بعد كل ملايين الادلة التي صارت بحوزتنا .. ويعني اننا مصابون بداء التوحد .. واننا لانزال نسكب الماء في السلال .. أو اننا نتوقع بسذاجة ان يفيض البحر ويرتفع منسوبه ويغرق نيويورك اذا اضفنا له كأسين من الماء العذب ..

السؤال هو ماذا يعني التدخل الاميركي في دير الزور الذي بدا أنه عملية تمهيد ناري لداعش لتتقدم وتخلط الأوراق .. والذي يتكامل مع دور سلاح الجو الاسرائيلي في نفس الفترة لتأمين غطاء ناري للنصرة في الجنوب السوري؟؟ ولماذا جاء هذا “الخطأ الجوي” والنار الصديقة في دير الزور والجولان بعد فشل مساعي اميريكا لتحويل هدنة حلب الى ثغرة عسكرية طرية وطريق الكاستيلو الى حبل سري يربط بين المشيمة التركية ومسلحي النصرة في حلب .. ؟؟

الحادث ليس رسالة عادية وضعتها اميريكا في صندوق بريد جبل الثردة ولكنه اقرار لأول مرة بشكل لالبس فيه لوضع عسكري جديد لصالح الجيش السوري وحلفائه من الشمال الى الجنوب .. حيث تترنح الغوطة وتترنح حلب الشرقية وتهتز ادلب .. والنار الصديقة الاميريكية تشير الى أن جيش اميريكا الاسلامي لم يعد قادرا على احداث صدمة في الميدان .. فداعش لم تعد داعش التي لاتقهر و قدراتها الهجومية تآكلت كثيرا وهي لاتستطيع تغيير الميدان واقتحام اي موقع مهما كان صغيرا الا بتدخل سلاح دولة عظمى .. وان التدخل العلني في دير الزور بذريعة الخطأ جاء بعد تقدم الجيش السوري في مواقع مهمة في دير الزور حيث كشفت المعارك الاخيرة عن وهن في جسم داعش وأدائها لم يلحظ منذ فترة .. كما أن النصرة التي قاتلت الجيش السوري بضراوة منذ خمس سنوات صارت متآكلة والدليل ماحدث من فرض الطوق في حلب رغم انها تهيأت للمعركة وحشدت وتسلحت من رأسها حتى أخمص قدميها منذ سنتين .. وقد أظهرت معارك حلب عن قدراتها المحدودة في المناورة في الميدان حيث تمزق تكتيك موجاتها البشرية وتعرضت لخسائر جعلت جيش النصرة كتلة لينة الى حد انها صارت أيضا في الجنوب السوري لاتستطيع تحقيق انجاز او هجوم الا بمساندة اسرائيلية صريحة علنا .. أي اننا الآن دخلنا مرحلة تليين النواة الصلبة للقوى الاسلامية الارهابية منذ حرب افغانستان .. وصار الاشتباك المباشر الآن مع القوة التي كانت تحارب من خلف الستار وتلبس القفازات الارهابية وتمسك الاراجوزات الاسلامية الملتحية في مسرح عرائس الثورة السورية .. اسرائيل وأميريكا خرجتا من وراء الستار بعد ان تعثر الاتراك ووجدوا انفسهم وجها لوجه مع روسيا .. فاميريكا الآن تستميت لحماية جبهة النصرة وتلبسها ثياب الدراويش الصوفيين .. فيما جيش بيت العنكبوت يعطيها ستراته الفولاذية الواقية من الرصاص كيلا تموت ..

أميريكا في هجومها على دير الزور قالت بشكل مباشر أنها صارت تدرك ان معركة حلب لم تعد في صالحها وان الأمل في انقاذ مسلحي حلب لن تنفع معه اي خدعة او تكتيك انساني .. لأن مسلحي حلب يعزفون لحن النهاية الجنائزي .. وأن الشمال سيهتز بسقوط جبهة النصرة في حلب التي قد يتبعه انهيار النصرة في ادلب ربما قبيل سقوط أوباما .. فقررت التلويح بما يمكنها ان تفعله من اختراق شرقا تحت مسمى خطأ (نار صديقة) التي قد تتكرر ..

المشروع الاميريكي لم يتغير ولكنه يغير خريطة التحرك بسبب الصعوبات المستحيلة التي تواجهه .. فاذا لم يسقط النظام الذي يقف على “بوابة” البحر المتوسط فان عليه ان يتحول الى نظام بلا فائدة لروسية والصين وايران والعمق الآسيوي عبر سجنه بين البحر والنهر .. أي بين “البحر المتوسط ونهر الفرات” واغلاق الكوريدور العملاق بين “بوابة البحر المتوسط” و “البوابة الشرقية” التي كان يحرسها صدام حسين كما كان يشاع .. لأن احدى البوابتين يجب ان تغلق بأقفال اميركية أو ان يفصل بينهما حاجز اميريكي أو كيان غير صديق لاحدى البوابتين .. فالمشروع الاميريكي يريد بوضوح اقامة أي كيان هش فاصل بين سورية والعراق بحيث تكون حدوده طبيعية مقل نهر الفرات ويملأ بأي تنظيم او كتلة عسكرية مناوئة للدولة السورية في المنطقة الشرقية .. ومن هنا جرى الترويج لحتمية التقسيم في فترة من الفترات .. وكان من المفترض أن يتم تشكيل قوس مقاتل من ادلب الى البوكمال مرورا بحلب والرقة ودير الزور بحيث يتقاطع هذا الخط مع الخط الافقي لكيان كردي رخو في الشمال ولذلك قامت الولايات المتحدة بنشر داعش في فترة وجيزة على طول نهر الفرات وأكملت نشر النصرة على الخط نحو ادلب التي حاولت الوصول الى الساحل لانجاز السجن الجغرافي بين البحر والنهر .. وكان المفروض أن الثوار المعدلين والمعتدلين (النصرة وأخواتها) بعد ان تمهد داعش المكان وتنظفه على طول نهر الفرات سيتدفقون بعد تمكينهم من حلب وادلب والساحل الى الرقة ودير الزور والبوكمال بذريعة تحريرها من داعش الذي سينكفئ الى أنبار العراق طوعا دون قتال كما انكفأ طوعا وأخلى جرابلس أمام الأتراك الذين كان دخول ساحة تقسيم في استانبول أصعب عليهم وأكثر كلفة من دخول جرابلس المدججة بالدواعش والانتحاريين ..

ولكن التنفيذ تعثر بوجود فاصلة دير الزور العسكرية العنيدة والصلبة والتي بقيت مثل الاسفين في صدر القوس الى جانب مدينة الحسكة حيث يتركز الجيش السوري وكان من الواضح انه لن يترك هذه الفاصلة الفولاذية التي صارت بمثابة ستالينغراد الفرات وتستحق ان تسمى “دير غراد” .. كما أن انهيار حلب المتوقع قريبا سيعني ان القوس المرسوم سيتفتت ويتقطع بفواصل كبيرة للجيش السوري تلتقي بسرعة قياسية .. بل ان الجيش السوري سيتمكن من السير على القوس الفراتي من حلب نحو الرقة ودير الزور .. وسيره من الناحية التكتيكية والعسكرية من حلب المحررة ودير الزور نحو الرقة أفضل من سيره من الرقة المحررة نحو حلب .. وقد استمات الاميريكي من اجل منع هذا السير .. فأطلق الاكراد وقوات سورية الديمقراطية للسيطرة على قوس نهر الفرات حتى الرقة .. ولكن الاكراد لم يتحمسوا للهبوط جنوبا قبل التدفق غربا لأنه قتال في بيئة “غير صديقة” من الناحية العقائدية والنفسية .. وهذا أيقظ الوحش الديموغرافي الكردي جنوب شرق الاناضول الذي تخشاه تركيا فاعترضت وهددت بالانسحاب من المشروع ..

الأميريكون ونكاية بانتصار حلب المتوقع وتعثر حماية جبهة النصرة عبر شريان الراموسة .. قرروا تهديد الروس والسوريين بالتلويح بالغاء فاصلة دير الزور عبر عملية مراوغة وقحة بالتزامن مع تبرع الاتراك بتحرير الرقة مع التحالف الدولي في تصريحات حديثة كما سمعنا .. فأطلقوا النيران “الصديقة” التي تلاها على الفور تحرك داعش التي (وياللمفارقة) لم تخش ان تتقدم تحت نظر الطيران الاميريكي الذي يفترض أنه يقصف كل شيء يتحرك غربا .. فاذا سقطت دير الزور تدفق الاتراك نحو الرقة ودير الزور لتنسحب منهما داعش (سيناريو جرابلس) بذريعة الضغط العسكري الهائل ورسمت تركيا مع اميريكا خط الفرات على انه المنطقة المحايدة الدولية ومنطقة نزاع مع داعش التي ستعود ان انسحب التحالف والتي يجب ان تبقى محاصرة في العراق ويمنع تمددها .. وتكون تركيا بالتالي قد قصمت ظهر الاكراد وشقتهم الى نصفين محاصرين شمال سورية فيما اميريكا شقت سورية الى نصفين عبر فالق الفرات المائي والعسكري الذي سيكون حدودا لكيان ما سيتم الاتفاق عليه بحكم الامر الواقع والذي قد يملأ بمقاتلي الجولاني لاحقا بعد غسيل لحيته من دماء السوريين التي خضبتها .. وسينقطع الممر العملاق نحو آسيا بين البوابة المتوسطية نحو البوابة الشرقية ..

ولذلك فهذه النار الصديقة كانت مسددة نحو روسيا وسورية معا في حلب من أجل فرض وجهة نظر اميريكا في فتح طريق الراموسة وفق الشروط الأميريكية حيث تمر قوافل الامدادات بحرية دون عائق وتفتيش .. وبالتالي يفرغ الانجاز العسكري بالحصار من مضمونه ويثقب اتفاق حلب الذي لم يجف حبره بعد ويجعله بلا معنى بعد ان حشر الاميريكيون في الزاوية وفرض عليهم الاقرار بأن جبهة النصرة “عدو مشترك” .. حبث تحاربها اميريكا بيد وتساعدها بيد أخرى ..

رغم حجم الضربة المؤلمة في دير الزور الا أن فهمها العميق يعني ان مشروع اميريكا يترنح وهي باتت نزقة من ترنح جيوشها الاسلامية والارهابية وباتت مقتنعة ان الشعب السوري وحلفاءه قد يكونون السبب في تدمير أهم جيوشها وأهم مشاريعها على الاطلاق .. لأن مايعرفه الاميركيون جيدا انهم والاتراك لايمكن ان يبقوا بجنودهم على الأرض السورية ويحتفظوا بما يبنون من قواعد ومراكز اذا بقيت حولهما الدولة السورية التي لن يكلفها طرد التواجد الاميريكي وحلفائه الا بضع عمليات مدمرة من نوع عملية تدمير مقر المارينز في بيروت التي رحل بعدها الاميريكون .. فالاميريكي رغم عناده الا انه لايحب ان يدفع ثمنا .. ومافعله في العراق لن يكرره لأنه درس قاس دفع فيه ثمنا باهظا .. لن يجرؤ عليه اي رئيس اميريكي .. قبل مرور خمسين سنة أخرى ..

رعاة البقر لم يفاجئوا الفرسان السوريين في ستالينغراد الفرات .. فكلنا نعلم أن رعاة البقر لاعهد لهم ولاميثاق طالما ان في مسدس أحدهم رصاص .. لكن الفرسان كانوا يطلقون النار على قطيع الأبقار التي يدفعها رعاة البقر أمامهم لدهس كل من يعترض طريق القطيع وأصحاب القطيع الذين يريدون توسيع مزرعتهم في الشرق .. لزيادة عدد رؤوس الابقار التي يملكونها .. والمزارع التي يقيمونها .. لتنضم الى مزارع الخليج وشرق الاردن وتركيا وليبيا مابعد القذافي .. وبعض الزرائب الصغيرة في لبنان ..

أحيانا يكون اصطياد قطيع البقر أفضل من اصطياد راعي البقر .. وفي أوقات أخرى يكون اصطياد راعي البقر أجدى من اصطياد البقر .. كما حدث في العراق وفي لبنان يوما ما عندما افتتحنا من دمشق مواسم اصطياد رعاة البقر على أرض الشرق .. ولامانع من ان نعيد افتتاح الموسم اذا كان لابد من ذلك .. ولسنا وحدنا طبعا من يتوق لذلك ..

————————————————————

ملاحظة: بعد ظهور سلاح الجو في داعش عبر المقاتلات الاميريكة سارع جهابدة الاستخبارات في اميريكا وفجروا في اليوم التالي (طنجرة بخار) في نيويورك وجرحوا بعض المدنيين بسكين مطبخ .. وتبنى داعش عملية السكين فقط ولانزال ننتظر ان يتبنى تفجير طنجرة البخار .. وهو تفجير يثير السخرية لأنه في المرة القادمة سيستعمل مقاتلو داعش في اميريكا مسدسات مائية .. المضحك أن أصغر شحنة يفجرها داعش والنصرة في شوارع بغداد والشوارع السورية هي عادة خمسة آلاف طن دفعة واحدة لكنه في اميريكا يتعامل مع المتفجرات وكأنها من غبار الذهب والماس المطحون .. فقط أونصة (تي ان تي) في طنجرة بخار كافية لجعله عدو اميريكا وكافية لتنسف فكرة انها تسانده ويساندها برا وبحرا وجوا .. فربما كانت بضعة غرامات من غبار الذهب المطحون كافية للتغطية على غبار الغارات التي تساند داعش .. وبالأمس أجرى الاميريكون مناورة مع داعش وأنقذته من هجوم الفرسان السوريين في دير الزور .. أو ديرغراد ..

Related Videos
Related Articles

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: