الإثنين 27 تموز 2020
ظاهرتان لافتتان في المشهد السياسي المرافق للتوتر القائم عند الحدود الجنوبية: امتناع العدو الاسرائيلي عن إطلاق تهديدات مليئة بالنار والدمار الشامل، وعدم تفاعل معارضي المقاومة في لبنان مع الأمر بجدية. في تل أبيب، أصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أمراً الى الوزراء والمسؤولين بضرورة عدم التطرق الى الوضع في الشمال. وهو اكتفى، أمس، بعرض موقف معروف ضمّنه تحميل لبنان المسؤولية عن أي عمل يقوم به حزب الله. لكن الإجراء العملي الذي يلحّ عليه رئيس حكومة العدو، هو مطالبة قياداته الأمنية والعسكرية بالعمل على إفشال قيام حزب الله برد موجع أو تناسبي أو ردعي. وهذا ما يترجمه الجيش والمؤسسة الأمنية باستنفار كبير يخص الجبهة الشمالية.
في لبنان، قد يكون الانشغال العام بالأزمة الاقتصادية وتفشّي وباء كورونا وارتفاع أعداد المصابين، عاملاً رئيسياً للانشغال عن الوضع جنوباً. لكن، ثمة اعتبارات أخرى، من بينها صمت حزب الله نفسه، وعدم الالتفات الى التهديدات الاسرائيلية. وأبعد من ذلك، اقتناع أطراف لبنانيين بارزين بأنه لا يمكن لأحد منع المقاومة من ممارسة حقها في الرد على جرائم العدو. لكن في النتيجة، يمكن الخلوص الى أن منسوب القلق أعلى عند العدو، حكومة وجيشاً وإعلاماً ومراقبين، بينما هو في مستوى متدن جداً في لبنان. وبالطبع، ليست هذه دعوة لأي كان إلى التطوع بالمشاركة في حملة التهويل الاسرائيلية، بل هي توصيف ولفت انتباه الى أن كل البلهوانيات لن تمنع ما هو مقدّر.
بالعودة الى الوضع القائم حالياً، يمكن ملاحظة ذروة الاستنفار المعادي على الحدود مع لبنان. الإجراءات العسكرية المتصاعدة تشمل نشر قوات إضافية وإطلاق أوسع عمل استخباري، بشري وتقني، بالتزامن مع تكرار رسائل التهديد. لكن هذه الإجراءات تزامنت مع توصية مفاجئة لرئيس أركان جيش العدو أفيف كوخافي – الذي أنهكنا العدو وهو يقول إنه قائد فذّ وضابط شجاع ومقدام – وهو يطلب من ضباطه وجنوده الاختفاء عن الشاشة وعدم ترك أي ثغرة قد ينفذ منها حزب الله لتنفيذ ردّه. كل ذلك يقود الى خلاصة أولية، وهي أن العدو يئس من الرهان على احتمالية عدم الرد، ويتصرف على أساس أن الرد حتمي، وأن توقيته لم يعد مرتبطاً بحالة سياسية أو بخطاب أو موقف، بل بوضع ميداني يعمل العدو على محاولة احتوائه على مدار الساعة. حتى إن أحد المراسلين العسكريين الاسرائيليين قال أمس: « لقد حُسم الامر، حزب الله أخرج المجموعات الى الميدان، ونحن نشهد ذروة استنفار الجيش على الحدود مع لبنان ومع سوريا أيضاً».
في هذه المرحلة، فهمت قيادة العدو أن للرد بعده الردعي حكماً، وبالتالي فهو سيتم بطريقة واضحة غير ملتبسة، وسيستهدف جنوداً للعدو لا منشأة مدنية. وهذا أمر قيد الاختبار بالنسبة إلى الجميع. لكن ما يجب على كثيرين، عندنا وعند العدو، أن يفهموه، هو أن ردّ المقاومة على جريمة ارتكبها العدو في سوريا له بعده الردعي الخاص بلبنان أيضاً، لأن العدو يعلم تماماً أن المقاومة عندما تقرر رداً ردعياً من لبنان على جريمة حصلت في سوريا، فدلك يعني أن المقاومة تقول له بوضوح إن عليه وقف ارتكاب ما يسمّيه «الأخطاء» في سوريا، وألا يفكر حتى في محاولة الاقتراب من ساحة لبنان. بل إن العدو يعلم بأن الرد القاسي الذي ينتظره على جريمة دمشق، قد لا يساوي شيئاً أمام الرد على أي جريمة قد يرتكبها في لبنان.
صحيح أن العدو حاول، خلال الايام القليلة الماضية، ومن خلال دبلوماسية بليدة وتقليدية، تسويق مزحة سمجة تقول إن ما قام به مجرد خطأ، إلا أنه فعل ذلك ساعياً لأن يتدخل العالم لمنع المقاومة من القيام بأي رد، أو أن يكون الرد شكلياً في أحسن الاحوال.
والعدو لا يمل من تجربة حظه معنا. علّمته التجربة أن الامور لا تسير وفق منطقه. ومع ذلك عاد الى اللعبة نفسها، خصوصاً عندما حاول إدخال مبدأ «الخطأ» الى القاموس العملياتي، علماً بأنه يعرف بأن هذا «الخطأ» ليس سوى استراتيجية تكتيكية كاملة. ومتى تُرك الأمر له، سيُرينا كمية كبيرة من الاخطاء يومياً، وهو لن يمانع بعد كل خطأ أن يصدر بيان اعتذار، علماً بأن العدو يحاول اختبار المقاومة هنا، لمعرفة إذا ما كانت مردوعة أو لا. فيطرح مبدأ الخطأ، وكأنه يعرض على المقاومة سلّماً لتنزل عن شجرة التهديد بالرد. وعندها، سيتصرف، كما يفكر فعلياً، بأن المقاومة مردوعة وغير قادرة على العمل. ولمجرد أن هذا الوهم لا يزال يسكن مكاناً في عقل العدو، فإن الرد أكثر من حتميّ.
الرد على جريمة ارتكبت في سوريا ردع إضافي لحماية لبنان، والمقاومة تذكّر بأن الاستحقاقات الداخلية ليست عائقاً أمام مقارعة العدو
ليست هناك حاجة للعودة الى السرديات الطويلة حول الاساس الذي ينطلق منه العدو أو تنطلق منه المقاومة في هذه الحرب الطويلة. لكن هناك حاجة أكيدة إلى مخاطبة أناس، عندنا أو في الاقليم، ممّن يدمنون التفكير في كيفية الاستفادة من أي عدوان إسرائيلي، للقول إن ما يجري في هذه الساعات وما قد يجري في الساعات أو الايام المقبلة، إنما هو في حقيقته من صنيعة قوات الاحتلال نفسها. فمنذ قيام كيان العدو الى كل حروبه في لبنان، مروراًَ بانطلاق المقاومة ووصولاً الى زمن التحرير ثم حرب 2006 الى المعارك بين الحروب، في كل هذه المفاصل، كان قرار الحرب بيد العدو حصراً، ولم يحصل أن بادرت المقاومة الى إعلان الحرب، بل على العكس، قالت دائماً – وهي تعني ما تقوله – إنها لا تريد الحرب. لكن هذا لا يتم بأي ثمن. بمعنى أن المقاومة التي لا تريد حرباً، لا تريد الاستسلام كي لا تقع الحرب. وليفكر المتبجّحون بالسيادة والاستقلال بالأمر قليلاً، ليدركوا أنه لو أرادت المقاومة شنّ حرب أو فتح النار على طول الجبهة الشمالية لكيان العدو لفعلت ذلك مراراً وتكراراً، وبيدها ألف حجة وحجة.
اليوم، تستقر الأمور على جولة جديدة من المواجهة المفتوحة مع العدو. وظيفة المقاومة وردها إفهامه أن ما تكرس خلال أربعة عقود لن يتغير، وأن التضحيات التي بذلت ليست للبيع، وأن من يريد تكريس وقائع جديدة عليه أن يدفع الثمن غالياً، ولا ضمانة لديه في أنه سينجح. ووظيفة المقاومة التأكيد لأهلها وشعبها وناسها، كما للعدو، أنها «لا تتسلى»، ولا تضيّع وقتها، وأن انشغالاتها الداخلية أو بتطورات المنطقة، لم تكن يوماً على حساب دورها الاساسي والمركزي في ردع العدوان وتحرير الارض. وهذا يعني، ببساطة، أن علينا الاستعداد لنكون، كما كنا في كل وقت، الى جانب هؤلاء الرجال الذين يرسمون لنا ولأولادنا صورة البلاد الخالية، حقيقة، من الاحتلال والإرهاب والتبعية.
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment