ابراهيم الأمين الإثنين 10 آب 2020
استقالة حكومة او هزيمة سلطة او سقوط للنظام. ما جرى ويجري، منذ انفجار الرابع من آب، يقود الى الاسئلة الكبرى امام الناس جميعاً، مواطنين ومسؤولين… ومتآمرين ايضاً. وهي اسئلة تخص الخارج المهتم بخلاص لبنان، او ذاك الباحث عن فرصة لتدميره نهائياً.
وقع حسان دياب تحت الضغط الكلي. مشكلته لم تكن محصورة بالقوى المعارضة لوجوده في السراي، بل في حلفائه ايضاً. وهو وجد، من تلقاء نفسه، ان اقتراح الانتخابات المبكرة قد يمثل مدخلا لهدوء يقود الى حل. نسي الرجل ان قواعد اللعبة ليست للشارع كما يظن المتوهّمون، بل لمن لا يزال بيده الامر. فكان القرار باطاحته مشتركاً: الرئيس ميشال عون الذي تعني له الانتخابات النيابية نزعاً للشرعية عنه. جبران باسيل الذين تعني الانتخابات المبكرة تشليحه نصف كتلته النيابية. سعد الحريري الذي لا يطيق الجلوس في البيت والخائف من ان تصبح كتلته بضعة نواب على شاكلة ديما الجمالي. وليد جنبلاط الذي يخشى على مصير زعامته..وفوق كل هؤلاء، الرئيس نبيه بري الذي لم يكن اصلا من المرحّبين بحكومة دياب. وكان ولا يزال يفضل الحريري على جميع الاخرين، والهارب ايضاً من ضائقة شعبية لا يمكن لحزب الله ان يعالجها كل الوقت… كل هؤلاء، معطوفين على الجهد المتواصل من الاميركيين وحلفائهم السعوديين والاسرائيليين، ومنظماتهم غير الحكومية في لبنان، انتج الجدار المرتفع الذي يعطل كل شيء. فكانت النتيجة القرار المبدئي باستقالة الحكومة. سيكون بوسع حسان دياب ان يستقيل بدل ان تتم اقالته في المجلس النيابي، وهو الذي رفض فكرة استدعائه لتحميله مسؤولية جريمة ارتكبها كل خصومه من داخل الحكومة وخارجها خلال السنوات الماضية. ومعه وزراء هم اليوم في حالتهم الطبيعية، عراة من كل شيء، لا قوة لهم ولا ثمن. من أتى بهم يبيعهم على مفترق طرق. يجري كل ذلك، وسط حال من الجنون تسود الشارع ومعه الاعلام الفاجر المنتشر على كل الشاشات والمنابر.
لكن الى اين من بعد هذه الهزة؟
الطبقة السياسية تريد تنفيذ توصية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتشكيل حكومة وحدة وطنية. يعتقدون انه في حال استقالة حكومة دياب، سيُدعون الى استشارات نيابية تسمّي الحريري بطلاً منقذاً، على ان يجري منحه فرصة تشكيل حكومة تضم ممثلين عن كل القوى السياسية من دون أقطابها، وان يصار بعدها الى وضع برنامج عمل هدفه تهدئة الوضع في انتظار القرار الدولي.
لكن من يفكرون بهذه الطريقة، هل يملكون الاجابة عن الاسئلة المحرّمة، ومنها:
– ماذا يعني الفشل في تشكيل حكومة سريعاً؟ هل يصبح الجيش المكلف بقرار ادارة العاصمة الكبرى في ظل حالة طوارئ الحاكم الفعلي للبلاد؟ وهل الجيش قادر على هذه المهمة وهو الذي فشل في ادارة شوارع مثلومة الاسبوع الماضي؟ وهل لدى قيادته وهم بأن سلطة الامر الواقع تتيح له تشكيل حكومة واجراء انتخابات والاتيان بقائد الجيش رئيسا للجمهورية؟
– من سيكون المسؤول عن البلاد بعد ثمانية ايام، عند صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري؟ من سيتسوعب الصدمة ومن يمكنه ضبط الشارع الذي سيتصرف على انه اسقط الحكومة وعليه اسقاط المجلس النيابي ورئيس الجمهورية ايضا؟ وكيف سيكون الوضع لو ان الشارع ضم الى مهامه ايضاً مهمة تنفيذ حكم المحكمة الدولية؟
– فرنسا التي قادت مؤتمراً لتحصيل مساعدات تقرر حصرها بنتائج الانفجار، تقول انها جمعت نحو ربع مليار يورو. لكنها – كما الولايات المتحدة – تريد ان تشرف الامم المتحدة على انفاقها. وهي تريد ذلك في ظل وجود الحكومة، فكيف اذا صارت البلاد من دون حكومة. وبالتالي، فان الامم المتحدة، وكر الفساد الاول في عالم المساعدات، ستتولّى تشكيل «حكومة ظل» قوامها مرتزقة المنظمات غير الحكومية ليتولّوا الاشراف على صرف المساعدات، وبالتالي الدخول الى الادارة العامة، وتخيلوا ما بعد ذلك.
– اذا كان اسقاط حكومة حسان دياب هدفاً بذاته، فان الفرق اللبنانية لديها اهدافها الاخرى. والمرجح ان الساعين الى رئاسة الجمهورية سيدعمون تنشيط المعارضة لاسقاط المجلس النيابي، وهم يعتقدون بأن انتخابات جديدة تحت اشراف دولي ستتيح تغييرا واسعا في تركيبة المجلس النيابي، وسيجدون العلاج لملف الرئاسة واطاحة الرئيس عون من بعبدا. وهؤلاء، سيفتحون بازار المفاوضات مع كل شياطين الارض لتحقيق الحلم بالوصول الى الرئاسة. وعندها سنقترب من الملفات الحساسة.
– العالم الخارجي الذي «حزن» بعد انفجار المرفأ، قرر صرف مساعدات موضعية. لكن قرار فك الحصار عن لبنان لم يحصل بعد. وبالتالي فان هذا العالم لديه مطالب غير تلك التي تهم الجياع والمطالبين بحسن التمثيل. هدفه واحد ومحصور في ضرب المقاومة. وهذا العالم، سيعتقد انه بمقدوره الضغط اكثر على اللبنانيين بغية ممارسة ضغط جانبي على المقاومة لاجبارها على الاتيان الى طاولة لتفاوض على سلاحه ولو بالتقسيط، هل يعتقد هؤلاء ان مصير المقاومة يعالج كأننا نصنع العجة؟
– حسناً، اذا كان الهدف اسقاط السلطة لانها لم تعد قادرة على القيام بمهمات تلبي حاجات الناس، فهل يحاول هؤلاء الهروب من استحقاق تغيير وجه النظام القائم وقلبه، سياسيا واقتصاديا واداريا. من يرد تعديل قواعد اللعبة، عليه ان يعرف ان المطلوب فعلياً ليس تغيير الحكومة، بل تغيير النظام، وهذا يعني الآن امراً واحداً: رصاصة الرحمة على اتفاق الطائف.
– اذا كانت فرنسا حصلت على تفويض ولو جزئي من العالم لادارة الازمة اللبنانية. واذا كان خيار تغيير النظام هو الاساس. فان الطاولة المستديرة التي جمع الرئيس الفرنسي اقطاب البلاد حولها، سيُعاد تشكيلها بغية ادارة حوار يستهدف عنوانا جديدا، وهو الاتفاق على نظام جديد في البلاد، ما يعني ان ثمن الانهيار القائم اليوم، هو المباشرة بالعمل على مؤتمر تأسيسي جديد لتشكيل سلطات جديدة، نيابية وحكومية وادارية وعسكرية وخلافه. واذا كانت سوريا منهكة بدمارها، والسعودية غير مؤهلة لادارة شؤونها، واميركا كما بقية العالم تشكل طرفا في الازمة، فهل توكل الى فرنسا مهمة ادارة حوار لبناني – لبناني للاتفاق على نظام سياسي جديد. وفي هذه الحال، هل يعلم الناس ان فرنسا ستتحدث باسم المسيحيين، اما المسلمون فسيواصلون انقساماتهم من دون التوصل الى قواسم مشتركة… وعندها سنكون امام لوحة فوضى مكتملة.
– سيحصل كل ذلك، والبلاد تسجل مزيداً من الانهيار الاقتصادي والمالي. فهل سيعود رياض سلامة حاكما لكل الادارات وليس للسياسات النقدية فحسب. وتطيير الحكومة الحالية يعني تطيير كل اشكال التدقيق الجنائي المحلي او الدولي في عمليات مصرف لبنان وبقية المصارف. وهذا هدفه الاول، لكن هل يمكنه إدّعاء القدرة على توفير تمويل للعصابة اياها لادارة البلاد من جديد؟
– الاكيد ان الاميركيين يعتقدون ان الافضل، الان، هو سقوط الحكومة وعدم تشكيل حكومة بديلة سريعا، وان يصار الى فرض سلطة الجيش مع وصاية خارجية على اقتصاد البلاد. وهم سيكثرون من الكلام عن ان لبنان قابل للحياة من جديد، فقط اذا قرر التخلي عن المقاومة.
ايها اللبنانيون، استعدوا لما هو اسوأ. واستعدوا لمنازلات لا نعرف حدودها ولا مساحتها ولا طبيعتها، واستعدوا لتحمل مسؤولية ما تقولون وما تفعلون وما تقرّرون من خطوات لاحقة… ولا شيء أمامكم أكثر وضوحا من فوضى الانهيار الكبير.
مقالات متعلقة
No comments:
Post a Comment