–
اعقبت عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة الموصوف بشيخ الملف النووي الإيراني، مساعٍ ومواقف ووساطات لثني إيران عن القيام بردّ على العملية، تخطّت دعوات الأمين العام للأمم المتحدة بضبط النفس ومناشدات الدول الأوروبية بعدم التصعيد، وتجاوزت الوساطات والضغوط التي عرفتها إيران بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الجنرال قاسم سليماني، رغم تشابه المساعي مع ما يجري اليوم من سعي تحت الطاولة لإقناع القيادة الإيرانية بردٍّ محسوب، أسوة بما حصل رداً على اغتيال سليماني. والجديد هذه المرة هو الإطار السياسي للمداخلات التي تقوم على اعتبار العملية محاولة «إسرائيلية» لاستدراج إيران لرد يبرر التصعيد والذهاب لحرب، تريدها قيادة كيان الاحتلال في زمن وجود دونالد ترامب في البيت البيض لجرّ الأميركيين لهذه الحرب، بما لا يملك الرئيس المنتخب جو بايدن القدرة على فرملته او منعه، طالما أن الالتزام بحماية «إسرائيل» وأمنها عابر للحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكان أبرز الكلام المقال في هذا السياق هو ما قاله المدير السابق للمخابرات الأميركية جون برينان الذي غرّد معلقاً على الاغتيال بقوله «كان عملاً إجرامياً متهوراً للغاية، وينطوي على مخاطر انتقام مميت وجولة من الصراع الإقليمي، وسيكون من الحكمة على القادة الإيرانيين انتظار عودة قيادة أميركيّة مسؤولة إلى المسرح الدولي، ومقاومة الرغبة في الردّ على الجناة المفترضين»، في دعوة واضحة لإيران لعدم الردّ وانتظار وصول بايدن الى البيت الأبيض قطعاً للطريق على مشروع التصعيد الذي يريده الإسرائيليون.
–
في طهران نقاش أيضاً حول توقيت الرد وطبيعته، أظهره الكلام عن الردّ في الوقت المناسب، كما أظهرته بعض تعليقات المحللين الإيرانيين بالحديث عن الردّ المحسوب، فليس لدى الإيرانيين أيّ شك بأن محاولة قطع الطريق على فرضية العودة للتفاهم النووي مع إيران من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن كانت موضع الاجتماع الذي ضم وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وما خرج به الاجتماع من توحيد المقدرات البشرية واللوجستية التي يملكها كل طرف للعمل داخل إيران تحت قيادة الموساد الإسرائيلي الذي كان رئيسه يوسي كوهين مشاركاً في الاجتماع، وهذا يعني أن الجماعات المتطرفة في خوزستان المموّلة من السعودية ستكون جنباً الى جنب مع جماعات «مجاهدي خلق» ومعهما محترفو الموساد للقيام بما يتيح قلب الطاولة قبل نهاية ولاية ترامب، وهو ما كانت عملية الاغتيال من نتائجه، بالإضافة لما يوفره استخدام مرافئ الصيد الإماراتيّة القريبة من السواحل الإيرانيّة من فرص لنقل المعدّات وتهريب الأفراد.
–
يتطلّع الإيرانيون لفتح صفحة جديدة مع جو بايدن، لكنهم واثقون في ظل الانقسام الأميركي الداخلي الحاد حول الخيارات التي عبرت عنها الانتخابات، وفي ظل تحرك الحلف الثلاثي لترامب ونتنياهو وحكام الخليج، لا يمكن لبايدن أن يخطو أي خطوة جدية نحو العودة للتفاهم النووي، ومعاكسة الاتجاه الذي رسمه ترامب، ما لم يتلقَّ الثلاثي صفعة كافية لإثبات عجزه عن تغيير معادلات المواجهة مع إيران، والعملية إثبات معاكس، تقول إن من الممكن الرهان على إضعاف إيران، ومن الممكن اللجوء الى خطوات تكيتيكيّة رادعة بوجهها، وإذا مرّت العملية من دون رد فسيكون هذا المنطق قد ربح جولة عنوانها وضع بايدن تحت إبط نتنياهو فيما يخصّ الملف النووي مع إيران، ولذلك تقول خلاصة النقاش الإيراني أن ترجمة الحرص على التهيئة لمناخ مختلف مع إدارة بايدن، تبدأ من إثبات سقوط منهج بومبيو نتنياهو وبن سلمان، والخطوة الأولى هنا هي رد رادع يقول إن كلفة العبث مع إيران فوق طاقة تحمّل العابثين.
–
ردّ رادع لا يشعل حرباً، قبل نهاية ولاية ترامب، هو هدف إيراني؛ بدونه ستجرجر نتائج الاغتيال ومعادلاته ذيولها خلال ولاية بايدن، وسيكون ثلاثي اجتماع نيوم قد دخل شريكاً مباشراً في أي مفاوضات قادمة بين طهران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، إن قيّض لهذه المفاوضات أن تستأنف. وهذا هو المعنى الرمزي التصعيدي لتوصية البرلمان الإيرانيّ، الذي لا يغني عن ردّ بحجم الاغتيال.
فيديوات ذات صلة
مقالات ذات صلة
- إيران تعتبر لقاء نيوم لنتنياهو وبن سلمان وبومبيو مرجعيّة قرار اغتيال شيخ ملفها النوويّ
- نتنياهو فعلها وترامب باركها.. أين سيكون الردّ وكيف وهل يتطوّر إلى حرب؟
- توقيت جريمة اغتيال زادة…بين الأهداف الصهيونية والردّ المطلوب
- العالم النوويّ الإيرانيّ…. والردّ؟
- إسرائيل تبحث عن «إنجاز» أمني: اشتداد الحرب الاستخبارية مع المقاومة
- الأدمغة العربية والإسلامية.. الخطر الوجودي العلمي على “إسرائيل”
- «تنقيط الصواريخ» يُدخل المعدّات الطبّية إلى غزة
- عمّان – رام الله: عودة إلى «المربّع المريح»
No comments:
Post a Comment