جبهة الجولان وجبهة الجنوب
- مع كلّ حرب تشنها «إسرائيل» خصوصاً على فلسطين، ينفتح الحديث عن ضرورة فتح الجبهات وإشعالها ضدّ «إسرائيل»، والمعادلة هي أن مصلحة «إسرائيل» تقليدياً ترتبط بمنطق استفراد الجبهات، وفي حسابها تركيز قواها ومضمون خطابها الإعلامي نحو الداخل ونحو الخارج بما يتناسب مع ما أعدته تقليدياً لمبرّرات الخوض في حرب مع هذه الجبهة بالتحديد وليس سواها، وكذلك تركيز قدراتها العسكرية وعدم تشتيتها سواء جيشها البري أو طاقتها النارية، فإنْ فازت تستدير إلى غيرها.
- في مرحلة ما بعد حرب لبنان في تموز 2006 وحربي غزة، صار أكيداً أنّ زمن القدرة «الإسرائيلية» على التعامل مع عدة جبهات لم يعد كما كان، فالخطاب التعبوي نحو الداخل متباعد جداً بين مبرّرات حرب على غزة وحرب على لبنان وحرب على سورية وحرب على إيران، وكذلك خطابها نحو الخارج الذي لم يعد يحظى في الشارع ومؤسسات الإعلام والرأي العام بالدلال والغنج اللذين كان يحظى بهما من قبل، أما طاقتها النارية وقدراتها البرية فقد ثبت أنها ترتبك مع جبهة بمفردها، فكيف مع مجموع الجبهات؟
- عندما يتعلق الأمر بفلسطين وخصوصاً في غزة يصير الأمر أشدّ صحة، فالإمكانات المتاحة لفلسطين وغزة، خصوصاً في أيام الحرب لتأمين خطوط إمداد، ليست كسواها من الجبهات، والخطة الإسرائيلية تقوم بالتأكيد حتى في أشدّ لحظات الضعف والعجز والارتباك على ما يشبه رهانات المقامرين، ففي بالها وهي تعجز عن وقف الحرب، أنه طالما فرض عليها الاستمرار من دون استراتيجية للخروج، ربما يكون الزمن عاملاً مساعداً لمصلحتها على رغم كلفته العالية، ففي مرور الزمن نفاد لمخزون المقاومة مهما كان حجمه في ظلّ حصار مضروب بقوة، خصوصاً بالنسبة إلى السلاح النوعي غير القابل للتصنيع محلياً، علماً أنّ ظروف الحرب تصيب كثيراً من فرص التصنيع بالأذى، كما يراهن العدو على ضغط الدم واليأس من الانتظار، وعلى الضغوط السياسية التي ينتجها حلفاؤه بصورة مباشرة أو غير مباشرة لإخضاع روزنامة المقاومة لتنازلات هناك من تعهّد تسويقها، على الأقل بجمود مصري سعودي لا يتزحزح عن ربط مصير المقاومة بمصير حربهما مع الإخوان المسلمين، ليصيب عصفورين بحجر واحد، من جهة تخديم موقع مُرضٍ للحليف الأكبر في واشنطن، ومن جهة مقابلة ترصيد نتائج الحرب في الحرب الأخرى التي يخوضها محور الرياض القاهرة مع الإخوان ومن ورائهما تركيا وقطر، وهنا يطلّ المصدر الثاني للرهان الإسرائيلي على الحليفين الموثوقين التركي والقطري الجاهزين لتلقف سقوط المقاومة وتسييل ضعفها في صندوق التنازلات.
- في اللحظة الإقليمية والدولية الراهنة تبدو حرب غزة حاسمة ومصيرية، فهي تأتي على رغم مرورها في ذروة أزمة علاقة عاصفة بين حركة حماس الفريق الرئيسي في المقاومة في غزة وسائر أطراف هذا الحلف، إلا انّ نتائجها ستحكم الكثير من مستقبل التوازنات الحاكمة في المنطقة، سواء في أحجام أطراف الحلف الذي تقوده واشنطن، أيّ مصر والسعودية من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى، لكن النتائج الأبرز ستطاول التوازن الحاكم لعلاقة حلف المقاومة من جهة، وكلّ أطراف الحلف الذي تقوده واشنطن من جهة أخرى، ومكانة «إسرائيل» فيه.
- في قلب هذا المناخ يصير فتح الجبهات مطروحاً للنقاش كخيار، يمنع حلول الأسوأ ويفتح فرصاً عظيمة لحصول الأفضل، فحلف المقاومة يملك مقدرات رادعة حقيقية تغيّر مجرى الصراع والحرب من جهة، وهو عمل وقائي من جهة أخرى، فإذا تمكن العدو من غزة فهو حكماً سيستدير نحو لبنان وسورية ويتغيّر موقع إيران الجيواستراتيجي بالتأكيد.
- جاءت الدعوة إلى فتح جبهتي لبنان والجولان علنية وإعلامية من قادة في حركة حماس، وحماس لا تزال تشيد بتركيا وقطر بل تضع رصيدها المعنوي والقتالي ونتائجه في حسابهما الإقليمي والدولي، فلا موقع لهذه الدعوة إلا المزايدة المسيئة لنضال المقاومة وتضحياتها، لأنه ببساطة شديدة كان يمكن فهم موقف موسى أبو مرزوق لو قال كلاماً نقدياً عن موقف حركته من سورية، وعن لا جدوى الرهان على الحليفين التركي والقطري، اللذين لا يترجمان حلفهما مع حماس بغير الاتصالات الهاتفية بنتنياهو، ولا يخجلان من المكسيك والبرازيل اللتين تقطعان العلاقات مع «إسرائيل» وتقفلان السفارات تضامناً مع غزة، فيما يرفرف «العلم الإسرائيلي» في أنقرة والدوحة.
- لو قال أبو مرزوق إنّ تجربة المقاومة كشفت الحلفاء الحقيقيين لها، وإنها تعيد تموضعها في خندقهم وتنتظر منهم وحدهم نصرة غزة ونجدتها، لصفقنا له وضممنا صوتنا إلى صوته، أما وأنه أراد أن يردّ على رفض قائد القسام لما قبله هو ورئيس مكتبه السياسي خالد مشعل من تنازلات بطلب تركي قطري، فقال له ضمناً فليفتح حلفاؤك الجبهات، فعندها يعلم أبو مرزوق أنّ قائد القسام وكوادرها وكلّ قادة وكوادر المقاومة وخصوصاً الجهاد يعلمون أنّ غزة لن تترك بين فكي التنين وحدها وليست المنابر الإعلامية هي التي تناقش على صفحاتها الخيارات العسكرية والأمنية وسيناريواتها.
- أمام حركة حماس معادلة منصفة اليوم أن تضع من موقعها القيادي في غزة سياسياً وعسكرياً، أمام تركيا وقطر وسورية وإيران وحزب الله، مهام الدعم والإسناد التي تترجم الوقوف الصادق مع غزة، من تقديم الدعم التسليحي إلى الاستعداد لفتح الجبهات، وليقلها خالد مشعل بلسانه في مؤتمر صحافي، لن نكون ورقة في جيب أحد، سيكون لنا موقف يحدّد من هم الحلفاء، المعيار هو، فتح الجبهات؟ فليكن، تقديم السلاح؟ فليكن، إغلاق السفارات؟ عظيم جداً، فليفعلها خالد مشعل وينتظر الجواب.
البناء
No comments:
Post a Comment