متى تتدخل الدولة السورية لصدّ غزو عفرين؟
حميدي العبدالله
أعلنت الدولة السورية في جميع مستويات القرار أنها تشجب العدوان التركي على الأراضي السورية، وتحديداً إطلاق تركيا عملية عسكرية لاحتلال منطقة عفرين. بل ذهبت الدولة السورية أبعد من ذلك وأعلنت في بيان رسمي تلاه الدكتور فيصل المقداد أنّ الجيش والشعب السوري لن يقف مكتوف اليدين إزاء هذا الغزو، وبات الجيش السوري، ولا سيما وسائل الدفاع الجوي, بجاهزية كاملة لصدّ العدوان، ولن يكون الغزو التركي لعفرين نزهة.
لا شك أنّ الكثيرين يتساءلون الآن عن متى تقوم الدولة السورية بالتصدّي للغزو التركي الذي بدأ على عفرين، حيث توغلت قوات برية تركية في هذه المنطقة.
توقيت تدخل الدولة السورية وإرسال وحدات الجيش لمواجهة الغزو مرتبط بمجموعة من العوامل:
ـ العامل الأول، أن تكون حامية المنطقة من سكانها باتت غير قادرة على مواجهة الغزو من دون تدخل مباشر ودعم كبير من الجيش السوري، وواضح حتى الآن أنّ المواجهة بين المدافعين عن عفرين والقوات الغازية لم تبلغ هذه المرحلة.
ـ العامل الثاني، يجب أن يطلب بشكل صريح المدافعون عن عفرين مساندة الجيش السوري وتسهيل انتشاره في المنطقة، وطالما أنّ هذا الشيء لم يحدث فإنّ الدولة السورية لا ترغب بإرسال الجيش لخوض معركة رغم عن إرادة المدافعين الحاليين عن عفرين، ستكون نتائجها من مصلحة القوات التركية إذا وقع صدام بين الجيش السوري والمدافعين عن عفرين، وذلك سيقود إلى تشتيت قوات المدافعين عن عفرين على أكثر من جبهة.
ـ العامل الثالث، ليس من مصلحة الدولة، إذا لم ينتشر الجيش السوري ومؤسّسات الدولة بكاملها في عفرين، تقديم الدعم لجماعة تسعى إلى فصل المنطقة عن الدولة السورية وإقامة كيان خاص فيها، كيان هو أقرب إلى التحالف مع الأميركيين منه إلى أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الوطن السوري.
ـ العامل الرابع، تأخر التدخل من قبل الدولة السورية والجيش السوري من شأنه أن ينضج أحد الطرفين المتصارعين في المنطقة، الأكراد وتركيا، لاعتماد سياسة واقعية، والتخلي عن أوهام التوسع بالنسبة لتركيا بضمّ أراض سورية جديدة، أو إقامة كيان منفصل بالنسبة لبعض الأكراد، واستمرار الصراع بين تركيا والأكراد في هذه المنطقة، وما يترتب على استمرار الصراع من استنزاف، هو الذي سوف يدفع أحد الطرفين للتخلي عن طموحاته غير المشروعة وغير المبرّرة.
كلّ هذه العوامل تفسّر لماذا لم تضع الدولة السورية إعلانها التصدّي للغزو التركي موضع التطبيق حتى الآن.
لماذا كان ردّ فعل روسيا وأميركا هادئاً إزاء غزو عفرين؟
حميدي العبدالله
تساءل كثيرون عن أسباب ردّ الفعل الأميركي والروسي الضعيف على قيام تركيا بغزو عفرين بذريعة أنّ هذه المنطقة تقع تحت سيطرة جماعات إرهابية، علماً أنّ هذه المنطقة لا تتواجد فيها الجماعات الإرهابية المصنّفة جماعات إرهابية من قبل مجلس الأمن والدول الغربية، كما أنّ مسلحي هذه المنطقة لم يقدموا على أيّ عمل ضدّ تركيا طيلة سيطرتهم على هذه المنطقة التي تمتدّ لأكثر من خمس سنوات.
واضح أنّ ردّ الفعل الأميركي يعكس شيئاً من توزيع الأدوار، ومحاولة لإرضاء حلفاء الولايات المتحدة، تركيا والأكراد، التي لم تستطع واشنطن التوفيق بينهم. الإدارة الأميركية أصدرت بياناً فُهم منه أنها لا تؤيد غزو عفرين، ولكن في المقابل أوعزت لحلف الناتو، الذي تسيطر واشنطن على مؤسّساته، بإصدار بيان يؤكد وقوف حلف الناتو إلى جانب تركيا، وربما الولايات المتحدة تريد اختبار أوهام الحكومة التركية عبر توريطها في عمل عسكري، سوف يجعل أنقرة أكثر ضعفاً، وبالتالي أكثر انصياعاً للإملاءات الأميركية، ولذلك هي تصرفت في عفرين على غرار ما فعلت سفيرة الولايات المتحدة، أبريل غلاسبي في العراق، عندما هدّد الرئيس العراقي صدام حسين باجتياح الكويت، في ذلك الوقت كان جواب السفيرة الأميركية حول الموقف من تهديدات الرئيس العراقي تشبه مواقف المسؤولين الأميركيين من قيام تركيا بغزو عفرين.
بالنسبة لروسيا، لا شكّ أنّ أسباباً كثيرة دفعتها كي لا تتخذ موقفاً حازماً بقوة ضدّ الغزو التركي لعفرين، ومن بين هذه الأسباب رغبة موسكو في إنجاح مؤتمر سوتشي، إذ سيكون من الصعب على تركيا العمل على إفشال المؤتمر وهي بحاجة لموقف روسي متفهّم لما قامت وتقوم به الآن في عفرين، لا سيما أنّ وحدات عسكرية روسية لا تزال ترابط في منطقة قريبة من عفرين، وبالتالي فإنّ أيّ موقف غير محسوب لتركيا إزاء روسيا يمكن أن يرتدّ سلباً عليها، وقد تقف روسيا إلى جانب الدولة السورية التي أعلنت معارضتها للغزو وأكدت عزمها على مواجهته.
ربما أيضاً لدى روسيا حسابات ميدانية أخرى، مثل أنّ غزو تركيا لعفرين يدفعها لحشد الجماعات المسلحة في إدلب لربح معركة عفرين، وهذا يسهّل على الجيش السوري تحرير هذه المحافظة التي لا يزال الجزء الأكبر منها تحت سيطرة جماعات مسلحة مدعومة من قبل تركيا، وقد تكون أيضاً لدى موسكو حسابات تشبه حسابات واشنطن تنطلق من أنّ الحكومة التركية لا يمكن أن تكون إيجابية في التعامل مع الوضع في سورية قبل أن تتحرّر من أوهام قدرتها على السيطرة على مناطق واسعة في شمال سورية.
هذه هي أسباب الموقفين الروسي والأميركي من غزو عفرين، والتي لم تصل إلى حدّ الوقوف العملي في وجه اعتداء سافر على سيادة دولة ثانية وتكريس شريعة الغاب في العلاقات الدولية.
- «غزوة» أنقرة الثانية| عدوان تركي يستهدف عفرين ….«الوحدات» من دون حلفاء… و«رضى» إقليمي ودولي؟
- المقابلة | فوزة يوسف
- واشنطن: لا نريد «نظام الأسد» في عفرين
- «تحرير الشام» تدخل المعركة
- واشنطن تقود مبادرة «تهدئة» مع أنقرة
- معركة عفرين: ثمن الشراكة مع واشنطن
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment