حاورته: عبير حمدان
يتشعّب الحوار مع الإعلاميّ سامي كليب، وهو الذي يختزن كمّاً هائلاً من المعلومات، ويصرّ على مبدأ احترام المهنة التي يحترفها، ويرى نفسه لاعباً فيها وليس بيدقاً يمكن تحريكه وفق نظرية البيع والشراء ولعبة رأس المال المتحكّم بمعظم وسائل الإعلام العربية ومراكز الدراسات والأبحاث.
ويؤمن كليب بأننا اليوم أصحاب مشروع مقاوم على امتداد العالم العربي وفقاً لنبض الشارع الذي أدرك أن كذبة «الربيع العربي» ما هي إلا مخطّط غربي هدفه التغطية على الصراع الأساس مع العدو الصهيوني. ويدعو كليب إلى بناء استراتيجية إعلامية تضمّ كل القوى المقاوِمة في مواجهة التضليل الإعلامي الممنهج الذي بدأ العمل على تشويه صورة المقاومة منذ بداية الحرب على العراق.
يتقن كليب العزف على الآلات الموسيقية كلّها، ولا يكلّف نفسه عناء الدخول في سجال لا طائل منه، ويحترم الجمهور الذي انتقده بعد استضافته السيد حسن نصر الله، الذي يعتبره أحد عظماء تاريخ البشرية، ويثق بأنه سيقدّم «لعبة الأمم» على أرض فلسطين، ويهزأ من طفيليات «التطبيع» ويؤكّد أن المشروع التقسيمي فشل في سورية.
الجزيرة
نبدأ الحوار حول تجربة كليب بين نقيضين، حيث يكمن الفرق بين «الجزيرة» و«الميادين». وعن ذلك يقول: الفرق يكمن في موقعي في كلا القناتين. حين عملت مع «الجزيرة» لم أكن عضواً فيها، بل كنت منتجاً لبرنامج من الخارج تعرضه على الشاشة. ولكن للأمانة أقول أنه خلال 11 سنة من العمل في القناة أؤكد أن «الجزيرة» لم تضع عليّ أيّ شرط، ومنحتني مساحة من الحرّية. والدليل أني قدّمت في برنامج «زيارة خاصة»، 800 بورتريه وبينهم 600 مناضل في ما يتصل بالقضايا العربية والمصيرية المركزية. كما أنّها قدمت كل الإمكانيات اللازمة لإنتاج عمل جيد ومتقن مع الكثير من الانفتاح الهائل، ولم تسأل الإدارة يوماً عن توجّهات ضيوفي. وأكثر من ذلك، أنّني اتُّهِمت من قبل الصهاينة بأنني أستضيف «إرهابيين» على قناة الجزيرة، ومنهم ليلى خالد وأبو عرب منشد الثورة الفلسطيني. وبالنسبة إليّ، تلك المرحلة كانت مهمة لنا كإعلاميين عرب لدينا قضية وتمكنّا من التعبير عنها من خلال القناة.
لكن إلى أيّ مدى حافظت القناة على مساحة الحرّية التي يشير إليها كليب، يجيب: مع بداية الكذبة التي سُمّيت «الربيع العربي» ظهر الخيار الواضح للقناة التي تبنّت وجهة نظر «الأخوان المسلمين»، أي منذ بداية الحراك في مصر، حيث بدأت تستضيفهم على شاشتها رغم أنهم لم يكونوا من المشاركين في التظاهرات ونحن كنا نعلم هذا الأمر بحكم متابعتنا ما يجري. لكن هذا كان خيارهم السياسي وهو شأنهم. وإضافة إلى ذلك، بالنسبة إليّ، كنت ضد فكرة وجود «الضيف الإسرائيلي» على شاشتهم ،وكنت أنتقد هذا الأمر بقوّة، مع الإشارة إلى أنني لست مع نظرية «المؤامرة» التي تقول إنها أُسّست كمشروع «إسرائيلي»، كل ما في الأمر أنّ مشكلة حصلت في تأسيس تلفزيون «بي بي سي»، فكان أن وُلِدت «الجزيرة» واكتشفت قطر أنها قادرة على استثمار مشروع ضخم ومربح ضمّت فيه الكثير من الوجوه الإعلامية على اختلاف توجّهاتهم السياسية. ربما لاحقاً تم استغلالها من قِبل الأميركي والصهيوني، وبالتالي قطر لم تُخفِ هذه العلاقة التي قامت على قاعدة المصالح المشتركة. إنما أنا على الصعيد الشخصي لم ولن أستضيف «الإسرائيلي» مطلقاً حتى خلال عملي في مؤسسات إعلامية فرنسية قبل «الجزيرة»، لم أفعلها وموقفي مبدئيّ في هذا الإطار ومن المستحيل أن يتبدّل.
الميادين
وبالانتقال إلى «الميادين» التي يراها حقّقت التوازن على المستوى الإعلامي وشكّلت فرقاً كونها تميّزت بالمصداقية منذ انطلاقتها، يقول كليب عن تجربته فيها وهو من مؤسّسي هذه القناة: بداية، أحب التأكيد أن هذا المشروع الإعلامي الذي شاركت في تأسيسه نجح لعدّة أسباب، أوّلها أنّه أكتسب المصداقية، وثانياً لأنه خاطب رأياً عاماً عربياً لم يكن لديه في تلك اللحظة منبر إعلامي عربي كبير للإضاءة على قضاياه. هو ليس مشروعاً ناطقاً بِاسم المقاومة بشكل مباشر مثل قناة «المنار» التي أحترمها جدّاً، كما أنّه ليش مشروعاً حزبياً، لكنه عبّر عن شرائح معيّنة في العالم العربي كانت ترى أن ما يحصل من واجهة بما سمّي «الربيع العربي» ليس صحيحاً، وجاءت «الميادين» في لحظة مفصلية حيث الربيع المزعوم من جهة والصراع مع «إسرائيل»، والهجمة الكبيرة التي اجتاحت العالم العربي، وذلك بإمكانيات مادية محدودة وبجهد كبير والتزام بالمهنة من كل العاملين فيها وباتت هي بيتنا ومبنرنا، وكفاحاً فعلياً من المؤسّسين. أنا مثلاً كنت أقضي 18 ساعة في القناة وغسان بن جدو 20 ساعة، ولا أخفيك أنّ الإمكانيات المادية لانطلاقة «الميادين» لم تكن توازي ميزانية برنامج على قناة «الجزيرة». واستطعنا أن نردّ الكثير مما يحصل، علماً أننا لم نؤسّس «الميادين» في مواجهة «الجزيرة» و«العربية»، إنما كي ننقل الخيارات العربية الصحيحة التي ترى من هو العدوّ الفعلي وتدرك أن هذا الربيع عبارة عن كذبة تستهدف مجتمعاتنا. وأتصوّر بعد سنوات من هذا الربيع، الرأي العام العربي بات أقرب بشكل أكبر إلى الطرح الذي طرحته «الميادين» بعشرات المرات من الطروحات الأخرى على الفضائيات الأخرى. بمعنى أننا شكّلنا ذراعاً إعلامية هامّة جداً لخيار عربي شعبي يميل إلى فكرة أن هناك صراعاً تاريخياً مع «إسرائيل»، وأنّ هذا «الربيع العربي» يعمل على التغطية على الصراع الأساس، ويذهب به إلى اتجاهات أخرى من خلال هجمة على مصالحنا، وهي هجمة غربية لتحويل هذا المسار وتحويلنا إلى هنود سمر بدل الهنود الحمر في أميركا. و«الميادين» صمدت وقاتلت وناضلت بشراسة وبات لها حضور في الدول العربية، وحتى تلك التي أنزلتنا عن الأقمار الصناعية، أجزم أن نسبة المشاهدة في تلك الدول بواسائل شعوبها الخاصة، كبيرة جداً، فنحن لم نمنع أيّ مُعارض من الإطلالة على شاشتنا، نحن منعنا الإرهابيين و«الإسرائيلي» من الإطلالة على شاشتنا، وكنا نطلب ولا نزال نطلب من كل الأصوات الحضور، وكنا نتلقّى اللوم على ذلك من محور المقاومة ومن سورية إنّما بمحبة طبعاً، ونجيبهم أننا نُسمِع كل الأصوات ولكن لدينا خيارنا الواضح ولا نخجل به على الإطلاق.
إعلاميون ولكن!
ولكن كيف ينظر كليب إلى المشهد الإعلامي كمتلقٍّ لا كلاعب فاعل فيه، بخاصة إذا أردنا المقاربة بين زمن الورقة والقلم وما نشهده اليوم من تطوّر متصاعد يجعل من الجميع «إعلاميين» إذا ما أرادوا أن يطلقوا على أنفسهم هذه الصفة، يقول: أنا أقول بكلّ صراحة إنّ دواعش الإعلام اليوم أخطر من تنظيم «داعش» العسكري الذي يقتل على الأرض الآن. لأن الإعلام تحوّل إلى مطيّات لمشاريع سياسية خطيرة جداً، وتحوّل إلى مطيّات للإرهاب وللتقاتل وللفتن. وأكثر من شجّع الفِتن في الدول العربية هو بعض الإعلام العربي الذي يدّعي المصداقية هذا أولاً. أما ثانياً، فنحن لدينا مستوى من التخلّف الثقافي والفكري لدى إعلاميين يقدّمون أنفسهم على أنهم قادة الفكر في العالم العربي، فتجدين أن هذا الذي يطلق على نفسه صفة إعلامي ومفكّر، لم يقرأ كتاباً في حياته. وحين يحلّل مقالاً في جريدة أجزم أنه لم يقرأه، إنما يعمل على التحليل من خلال رغباته الشخصية لا من خلال المعرفة والمتابعة والقراءة. أنا لم أرَ حتى الآن أيّاً من الإعلاميين الذي يطلّون على الشاشات لمدح طرف والذم بطرف آخر، يملكون أيّ معلومة يقدّمونها للمتلقّي. إنما كل ما نراه حملة من «الردح»، وبالتالي تحوّل الجزء الأكبر من الإعلاميين إلى أبواق لأطراف متناحرة، وهم بذلك قتلوا مهنة الإعلام ولم يربحوا في السياسة، ومن هنا ترين جبهات في الإعلام ومتاريس، وفي ذلك إساءة إلى المهنة وأخلاقها وأصولها. وحتى لو كان الإعلامي ملتزماً بخطّ سياسيّ معيّن، فعليه أن يدافع عنه بمعلومات وأسلوب محترم. بمعنى أنني كإعلاميّ يجب ألا أشتم خصماً، إنما عليّ أن أقدم معلومات تؤكد أنّ هذا الخصم في طريق الضلال وأنّ الخيار الآخر هو الصحيح. كما أن هناك ظاهرة برزت في الإعلام العربي بحيث يطلّ الإعلامي على الشاشة لأكثر من ساعة ونصف ساعة وحده، ليلقي دروساً على الناس، معتمداً التنظير. وقد يأتي يوم تتبدل مواقفه وقفاً لمصالحه وهذا الأسلوب لا يمتّ إلى المهنة بِصلة. دور الإعلامي تقديم المعلومة والخبر للناس لا التنظير عليهم وشتم من يخالفه الرأي. المطلوب العمل على إصلاح هذه المهنة.
المواجهة ومتطلّباتها
وقبل البحث في الإصلاح، يبقى السؤال الأهمّ: لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة من الانحدار المهني؟ يجيب: هناك عدة أسباب، أولاً المال العربي، ولنكن واقعيين، الفكر العربي في السنوات العشرين الأخيرة وتحديداً منذ الحرب على العراق انتقل إلى دول الخليج. أي أن كبريات وسائل الإعلام موجودة في الخليج، وأكبر دور للنشر أصبحت مضطرة لأن تساير دول الخليج، مراكز الدراسات الكبرى والتي تُمّول بشكل كبير باتت مموّلة من دول الخليج، إذا هناك خيار سياسي يتبع هذا الموقع لوسائل الإعلام ومراكز الدراسات، وهذا الخيار السياسي يقول «نحن يجب أن ننهي الصراع مع إسرائيل»، و«نحن يجب أن نكون أقرب إلى المشروع الغربي»، حتى ولو كان هذا المشروع ينهب ثرواتنا ويحتلّ أرضنا ويشجّع المحتل على المضي قُدماً في غزوه. وفي المقابل فإن المشاريع الإعلامية التي ظهرت في مواجهة كل ما ذكرته هي مشاريع مشتّتة ولا يوجد مفكّرون استراتيجيون يقفون خلف وسائل إعلام محور المقاومة. إنما هناك محاولات شبه فردية، لذلك ترين عشرات الفضائيات الناجحة منها ثلاث أو أربع، وترين مؤسسات إعلامية في محور المقاومة ضعيفة لا تقدر على تشكيل الفرق. المطلوب استراتيجية فعلية وحقيقية لتصحيح الوضع في مواجهة المشروع الآخر الذي يملك الإمكانيات المالية الضخمة وكذلك البشرية وقد تمكنوا من شراء العقول الكبرى وكُثر باعوا أنفسهم وأعطيك مثالاً بسيطاً، حيث أني عملت على البحث في الوثائق حوالى ثلاث سنوات عن الحرب على سورية، ووجدت أن معظم الكتب التي وُضِعت أو تُرجِمت في السنوات الخمس الماضية كانت ضدّ سورية، والسؤال من الذي يترجم ومن الذي يضع هذه الكتب ولماذا؟ هناك شخص اسمه دافيد ليش أنجز كتاباً عنوانه «أسد سورية الحديث»، كانت علاقته بالرئيس بشار الأسد جيدة ويذهب إلى سورية ويقيم فيها، فكتب كتاباً عن الرئيس الأسد، ثم هو نفسه حين بدأت الحرب على سورية كتب كتاباً عنوانه «سقوط عائلة الأسد» ضد الرئيس بشار الأسد وعائلة الأسد وضد الخيار السوري، وهذا الكتاب تُرجِم على الفور، بينما الكتاب الأوّل لم يُترجم. إذاً، هناك أطلسي إعلامي يعمل منذ حرب العراق لتشويه صورة المقاومة، ولأن الرئيس بشار الأسد أقرب بعواطفه إلى المقاومة، بدأ العمل على تشويه صورته أيضاً. إذاً نحن كنا أمام حملة إعلامية هائلة تملك المال والقدرات البشرية ومراكز الدراسات وكان الردّ الإعلامي من المحور المقاوم ضعيفاً ولم يزل حتى اليوم. وإذا نظرت بعمق سترين فضائيات مشتتة وضعيفة، بل أننا لن نجد فضائية واحدة قادرة على المواجهة بشكل قوي. وأعطيك أيضاً مثالاً، حيث ترين على وسائل التواصل فيديو للطيار الأردني وهو يحترق لبثّ الرعب في النفوس، ومنطقة في سورية تُحرّر، فيما التلفزيون السوري يقدّم للمُشاهد حلقة زجل. ويجب ألا ننسى الجانب الديني المسيطر على معظم الفضائيات التابعة لمحور المقاومة الذي حجب الكثير من المشاريع التطويرية والعلمانية الأخرى التي تخدم هذا المحور. أنا مثلاً أحترم قناة «المنار» ودورها المقاوم، ولكن طابعها الديني لا يسمح للوجوه الفنّية الملتزمة التي تخدم المقاومة بالظهور. إضافة إلى قضايا محورية تم حجبها مثل ليبيا والصومال وغيرها، وهنا أريد أن اقول من خلالكم كجريدة سورية قومية اجتماعية: لماذا لا يطل قياديو الحزب القومي على الشاشات؟ ولماذا يتم الاكتفاء بحضور المقاومين الآخرين من قادة نحترمهم ونقدّرهم، وأتمنّى أن يمر هذا التساؤل من خلال الحوار الذي يدور بيننا الآن.
استراتيجية صحيحة
ولأنّ كل سؤال مشروع، كان لا بدّ من الإشارة إلى مصدر تمويل «الميادين» والبحث في المقولة التي تتردّد على ألسنة مؤسّسيها والعاملين فيها، بأنها انطلقت بإمكانيات محدودة جداً، فيما هناك من يقول إنها مدعومة من المحور المقاوِم على الصعيد المالي، ويجيب كليب: لو كان عندي معلومات حول مصدر التمويل الفعلي كنت سأقولها لك، بكل صراحة لا أعرف، كل ما أعرفه أننا حين أسّسنا «الميادين» مع الزميل والصديق غسان بن جدّو، كان دوماً يقول نحن لسنا بحاجة إلى تمويل من دولة ما أو حزب ما، بل هناك مجموعة من رجال الأعمال الذين يؤمنون بمشروعنا وهم الذين يموّلون.
لكن رجل الأعمال تاجر في مكان ما؟ يقول كليب: ليس بالضرورة أن يبحث رجل الأعمال عن الربح وحسب، إنما قد يكون مؤمن بخطّ المقاومة وبأحقية القضايا المصيرية ويدعم الإعلام الذي يقدّم الواقع كما هو، مع مساحة للمعارضين ضمن الإطارين العلمي والتحليلي. ومن هنا أقول إنني كإعلامي أرى أن القنوات التلفزيونية السورية تخطئ بعدم استضافة المعارضين. وبكلّ محبّة أقولها الإعلام لا يحقّ له حجب طرف على حساب طرف ثانٍ، خصوصاً أن ليس كلّ معارض إرهابيّ وحمل السلاح، وأكرّر المطلوب أن يتم وضع استراتيجية إعلامية بمشاركة كلّ الأحزاب والقوى المقاومة وأدعو جميع الأطراف المعنيّة إلى خلق هذه الاستراتيجية. محور المقاومة يُباهي بانتصارين عسكريّ وسياسيّ، ولكنه يعاني من فشل إعلاميّ ذريع، ما عدا بعض المحاولات الفردية التي نجحت ومنها قناة «الميادين». واسمحي لي أن اقول هنا إنني لست عضواً في محور المقاومة ولست ناطقاً بِاسم هذا المحور، بل أنا لدي خياراتي السياسية. أنا محبّ لهذا المحور، ولكنني حين أكون على الشاشة فأنا صحافيّ أحترم هذه المهنة، ولأني أحب هذا المحور أقول إنه فشل حتى الآن في وضع استراتيجية إعلامية صحيحة.
جيش إلكتروني
لكن كليب يرى أن الفشل الإعلامي لهذا المحور قابله نجاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمكّن الشباب المقاوم ومن خلال مبادرات فردية من تحقيق إنجازات كثيرة. ومن هنا نسأله إذا ما كان يرى أن هذه الوسائل باتت رديفة للإعلام فيجيب: أنا أسمّيها وسائل التقاتل لا التواصل، إذ إنّ حجم الشتائم على هذه الوسائل لم أرَ له مثيلاً في العالم كله. انظري في الكيان المحتل، لديهم خلايا تم تأسيسها في وزارة الخارجية تهتمّ بوسائل التواصل الاجتماعي حيث يتم منح رئيس الخلية منحة دراسية مجانية ونائبه نصف منحة وأجزاءً من المِنح لباقي الأفراد ضمن الخلية. وهؤلاء كلّهم عملهم اليومي عبارة عن متابعة كلّ وسائل التواصل العربية والدولية والهجوم على كلّ من يهاجم «إسرائيل». ولديهم ملايين الأشخاص على امتداد العالم يقومون بهذا العمل. بينما نحن لدينا جيل من الشباب تحت ثلاثين سنة من العمر، وهؤلاء ناشطون جداً على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ماذا يفعلون؟ وما هي الاستراتيجية التي تغذّي عملهم؟ لا شيء، مجرّد مبادرات فردية، للأسف لم يعمل أيّ أحد على توجيه هذا الجيل ليكون جيشاً إلكترونياً قوياً.
الاتحاد
بالعودة إلى الصحافة المكتوبة، نسأل كليب عن جريدة «الاتحاد» التي قيل إنه كان من ضمن فريقها، فيجيب: لم أكن ضمن فريق «الاتحاد»، والحقيقة أن المشروع الأول كان أن أعمل على تأسيس جريدة «الاتحاد» مع مصطفى ناصر وحسين أيوب. ولكن ما حصل فعلياً أن ناصر توجّه إلى مشروع مغاير وعرض عليّ التعاون معه وأنا وضعت شروطي وهم وضعوا شروطاً ولم نتفق. وأقول بكلّ صراحة إن هناك خطأ حصل ـ مع كامل احترامي لناصر وهو صديقي ـ ولكنه ارتكب الكثير من الأخطاء وفشل في إدارة المشروع، وهي فرصة خسرناها رغم أنه كان من الممكن أن نؤسّس لجريدة ناجحة لو كانت الإدارة جيدة.
إلا أن كليب لا يرى أنّ الصحافة المكتوبة إلى أفول، والدليل أن الصحافة الورقية ناجحة جداً في الكيان الغاصب، لكنه يأسف لجهة أن معظم من يسمّون أنفسهم محلّلين يستشهدون بالصحف الأجنبية، إذاً هم يقرأون ما يريدون.
الوجه الآخر
وبعيداً عن ضجيج السياسية ومحاورها ننتقل إلى جانب فنّي ثقافي لدى كليب لنسأله عن متابعاته الدرامية والسينمائية والمسرحية، فيقول: أنا تابعت «ضيعة ضايعة» و«بقعة ضوء»، كمسلسلين قدّما صوَراً نقدية هامة. وأيضاً «الخربة»، ويبهرني كل من أمل عرفة وسلافة معمار وباسم ياخور والراحل نضال سيجري الذي رأيت فيه صورة شارلي شابلن العرب. وما عدا ذلك لا تسألنني عن أعمال أخرى. كما أنّني أقف باحترام أمام فنّان عظيم مثل غسان مسعود. ولا أتابع الدراما اللبنانية لأنهم طوال الوقت يقولون للمتلقّي إنهم يمثلون، ولو كنت في موقع القرار لسلّمت هذا القطاع لعبقريّ مثل زياد الرحباني علّه ينتشله من كل هذه المهزلة. وهناك أعمال مسرحية تجذبني مثل المسرح الشعبي أذكر منه «هشّك بشّك» و«بار فاروق»، و«فينوس» التي رأيتها هنا متقدّمة على المسرح الفرنسي. وأحترم جورج خباز الذي أسمّيه ضمير المسرح اللبناني لأنه يعبّر عن نبض الناس بطريقة جميلة وراقية. للإنصاف، اللبنانيون نجحوا في المسرح وفشلوا في الدراما التي تقدّم طرحاً لا يشبهنا. وقد يكون هناك ضعف في الإنتاج، وفي المقابل يجب ألّا ننسى غياب الرقابة بينما في سورية من المستحيل أن يقرّر أحد ما الغناء أو التمثيل من دون رقابة ودراسة.
وعن إطلالته على شاشة «mtv» والسجال الذي تبعها حين سئل عن هيفا وهبي، يقول: أنا لم أدخل في هذا السجال إطلاقاً، ولم أقرأ كل ما كُتب حول هذا الأمر، حتى أنهم أخبروني أن طوني خليفة خصّص نصف ساعة في برنامجه حول الموضوع وبصراحة لم أتابعه. الموضوع بكل بساطة أن السؤال كان فنياً وأجبت عليه ضمن هذا الإطار، وربما لا يعرف الكثيرون الجانب الفني في شخصيتي وأنّني أتقن العزف على كل الآلات الموسيقية، ولديّ مكتبة موسيقية ضخمة وأسمع أصواتاً كثيرة، وأنا كنت ناقداً سينمائياً في فرنسا إضافة إلى عملي في المجال السياسي. وما قلته كان رأياً فنياً قد يجادلني أحد عليه، ولكن أن يتم شتمي فهذا دليل على المستوى الذي وصلنا إليه في لبنان من الانحدار في أسلوب التخاطب. وبعيداً عن هذا كلّه، لم يمض وقت طويل على الهجوم الذي طاولني بعد الحوار مع السيّد حسن نصر الله، وأنني كنت أقاطعه. هناك مشكلة في مقاربة الأمور لدى الناس.
السيّد والقدس والشام
وعن النقد الذي طاول هذا اللقاء، يقول كليب: على الإعلاميّ أن يحترم مهنته، أنا أعتبر أن السيّد حسن نصر الله أحد عظماء تاريخ البشرية، وليس لنا وحدنا كلبنانيين. إنّه أحد كبار المقاومين العالميين، ولكنّني أمامه أمارس دوري كإعلاميّ وأسأل أسئلة محترمة ومهنية لأنّني أحترم مهنتي، وأيضاً أحترم جمهور المقاومة الذي يقدّس السيّد نصر الله. ولو كان الذي يحاور السيد على هذا النحو صحافيّ أجنبي لما أثار أيّ جدل. وهنا أحب التأكيد أنّ السيّد نصر الله تجاوب معي تجاوباً كبيراً وهو أكثر بتفكيره بعداً وعمقاً من الجمهور الذي انتقد. كان يستطيع أن يوقف المقابلة ولكنّه مدّدها.
لكن هل شعر كليب بأنّه «مبتدئ» أمام السيّد، فيجيب: لا أرى نفسي مبتدئاً أمام أيّ ضيف، لأنّي إعلاميّ محترف وأقولها بكلّ تواضع. ربما عليك أن تقولي لي إنني أقدّر ضيفاً على ضيف آخر، والسيّد نصر الله لديه ذكاء استثنائي وحادّ، وفي جلستنا بعيداً عن الكاميرا تكلّمنا عن فلسطين ولديه يقين أننا سندخلها قريباً، ولا أخفيك أمراً أنّ حلمي تقديم «لعبة الأمم» في القدس وأرى هذا الأمر قريباً.
ويسخر كليب من الذين يظنّون أنّ التطبيع الثقافي عبر فيلم سينمائيّ من هنا وحفل غنائيّ من هناك، ويراهم طفيليات لن تتمكّن من التأثير على المشروع المقاوِم وعلى التاريخ، فيقول: أحترم كلّ من يواجه هؤلاء الطفيليات مثل د. سماح إدريس وغيره، وأقول لكل واهم بكذبة السلام: هل أدّت أي عملية سلام إلى استرداد الأرض المحتلة؟
وعن التركيز على الشعار بأن القدس عاصمة فلسطين ما يلغي القضية الأبرز على الأقل إعلامياً يقول كليب: أقول إن فلسطين أرضنا ويجب أن تعود كلّها لنا، وكلّ عمليات السلام فشلت، وحركة التحرر الجدّية تواجه الظلم وتحقّق الانتصار. من جهتي لديّ أمل بأننا اليوم نؤسّس لمشروع مقاوِم حقيقي على امتداد العالم العربي.
ونختم اللقاء حول الشام وإلى أين ستؤول الأمور بعد كلّ ما شهدناه على الأرض، يقول كليب: أنا أنجزت كتابين تناولت في أحدهما الحرب على سورية بالوثائق السرّية، وقلت إنّ أخطاء حصلت لا شكّ من السلطة، وحصل غباء من «المعارضة». ولكن أيّ منهما لم يكن قادراً على تغيير ما حصل على الأرض. ولكن منذ البداية كانت هناك مؤامرة لتدمير سورية، إلا أنّ هذا النظام وعلى رأسه الدكتور بشار الأسد لا شكّ في أنه أوقف جزءاَ أساسياً من هذا التدمير، إضافة إلى القوى الحليفة التي ساندت النظام وأقصد بها حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي وللأسف يغيب إعلامياً عن الصورة رغم أنّ حضوره على الأرض فاعل وقويّ ويتخطّى الطوائف. وحين سألت الرئيس الأسد في أوج الحرب قلت له هل أنت مقتنع بالخروج من هذه الحرب ولماذا لا تقول متى وكيف، أجابني: نعم مقتنع، لا يمكنني أن أقول لشعبي متى سنخرج من هذه الحرب ولكنّني أؤكد أننا سنخرج منتصرين. وحين سألته كيف ترى الانتصار أجاب: الانتصار سيكون بهزيمة المشروع الذي يهجم على سورية التي ستكون قلعة منيعة. وبوتين سيبقى إلى جانبنا لأنه يدافع عن روسيا لا عن سورية فقط. باختصار، المشروع التقسيمي فشل في سورية، ولكن يبقى على المعنيّين العمل على ترميم النفوس. وسورية الجديدة يجب أن تؤسّس لمشروع سياسيّ جديد تحرّري مع الابتعاد عن لغة المنتصر التي يجب أن تكون فقط في مواجهة العدوّ الذي لا نختلف على هويته جميعاً.
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment