Sunday 7 October 2018

ترامب «موضوعي» مع حكام الخليج!

أكتوبر 5, 2018

د. وفيق إبراهيم

تُثير سخرية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتحقيره لحكام الخليج استياء الكثير من المتابعين والسياسيين، مقابل فئة مثقفة ترى أنّ الرجل يعكس التقييم الأميركي الفعلي لسلطات لم ترتق الى مستوى الدول وتعمل في إطار الحماية الأميركية الكاملة منذ أربعينيات القرن الفائت.

فأين العجب اذاً؟ ولماذا يفضحُ الأميركيون «أتباعهم»؟

الاستغراب ليس في التوصيف الأميركي بل في نقله الى المستوى العلني الإعلامي، علماً أنّ أوضاع دول الخليج هي النتاج الطبيعي لعلاقات أميركية غربية مع عائلات خليجية حاكمة بتواصل لم ينقطع لحظة واحدة وشكلا سقفاً حربياً متوثباً لمنع أيّ تحرك معادٍ لهذه الدول لا من الداخل ولا من الخارج.

المشكلة موجودة اذاً، في علنية السخرية الأميركية وانتقالها الى مستوى تهديدي غير مسبوق على طريقة كاوبوي يسطو على الأعداء ولا يوفر الأصدقاء.

وللإشارة الدقيقة يجب الاعتراف بأنّ الحركات المسرحية الترامبية ليست جديدة في علنيتها فقط بل في التغيير الذي أصاب الحركة التاريخية لالتهام أموال الخليج. كانت الشركات الأميركية ومعها قسم بسيط من شركات غربية تستحوذ عليها بأسلوب اختراع صفقات لم يشكل معظمها حاجات أساسية لمجتمعات دول الاستهلاك وجيوشها يكفي ما نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية منذ سنوات عدة حول انّ السلاح في السعودية هو «خردة حديد تحت نيران الشمس الحارقة» وليس للاستعمال. كانت هذه السرقة «المقوننة» تتمّ من طريق فرض أسعار خيالية ونوعيات سلع وبضائع كاسدة أو على وشك أن تصبح كذلك تضاف إلى ذلك المساعدات الخليجية الى دول فقيرة تحتاج الى أموال ومساعدات لتستمرّ ضمن النفوذ الأميركي فتنقذها المكرمات ويتأمّن للجيوبوليتيك الأميركي الاستمرار في الهيمنة عليها على شكل انتشار أو قواعد.

أما الطريقة الثالثة، فهي الرشى والمكرمات التي لا تزال توزع على سياسيين في أربع جهات الأرض الخاص منها للأميركيين ووفق لوائح تعدّها حتى اليوم المخابرات الأميركية. هناك أيضاً الاحزاب الغربية والأميركية التي تتلقى رشقات من أموال العرب وخصوصاً في مراحل انتخاباتها الداخلية، الى جانب مكاتب الدراسات والإعلام المرتبطة بالمخابرات.

ولا تزال هذه المؤسسات تغطي التخلف الخليجي حتى وصل بها الأمر الى تصوير رقصة العرضة والهجن واختيار أجمل بعير وتصوير الملك سلمان وهو يشرف من مقرّه على الحجيج في مكة وكأنها قمة العمل الديمقراطي في دول متقدّمة.

إنّ من يراقب حركة التوزيع الكونية لأموال النفط الخليجية يدرك فوراً مدى مواكبتها وربما استباقها للسياسات الاستعمارية الأميركية في حركة تمدّدها على شكل قواعد وهيمنة عسكرية وثقافية واقتصادية.

إذا كانت الأوامر الأميركية منفذة بحذافيرها في الخليج، فلماذا هذه السخرية الترامبية؟

لديها ضرورتان تبيحان المحظورات التاريخية الأولى أنّ الإمبراطورية الأميركية بقسميها الأساسيين العسكري والاقتصادي تمرّ بمرحلة تقلص الدور.

فهناك الصين التي تتحضّر لاحتلال موقع اقتصادي مواز للأميركيين. وهذا غير ممكن إلا بالالتهام من عالمية الاقتصاد الأميركي، أما الروس فثبتوا سياسة مساواة عسكرية مع الأميركيين بادئين بالعودة الى مناطق نفوذ سلفهم الأكبر الاتحاد السوفياتي ذاهبين نحو تحضير الأسواق لعصر الغاز وهم الأوائل في احتياطاته وإنتاجه لذلك يسعون للتجذر في مناطق إنتاجه فيسيطرون على الأسعار ويبيعون السلاح معاودين بناء مشاركة لهم في انتاج القرار الدولي. هذا ما يجعل الأميركيين قلقين على المرحلة المقبلة، ويريدون تأمين أموال اضافية بسرعة فائقة لدفع الروس والصين الى سباق تسلح ومنازلات في الأقاليم من بحر الصين الى الشرق الأوسط. وبذلك تستنزف الإمكانات الصينية والروسية مقابل صمود أميركي بأموال الخليج.

المشكلة أن الخليج مستعد للدفع كعادته، انما برفقِ وآليات لا تؤدّي الى إفلاسهم. وترامب لا يستطيع الانتظار، لأنّ امبراطورية بلاده تتراجع بشكل يبعث على القلق الفعلي لا الإعلامي. لربما تحتاج مبررات ترامب الى اسباب اضافية لاستعجال تدفيع حكام الخليج القسم الأكبر من ثرواتهم وهي بالتريليونات، كما يقول الأميركيون.

لم يتمكن ترامب من إثبات حضوره كرئيس أميركي مميّز فأثر على وضعية الحزب الجمهوري الذي انطلق منه ليصبح رئيساً للجمهورية، لكن منافسيه في الحزب الديمقراطي تمكّنوا من رشقه باتهامات تراوح بين الاستعانة بالخبرات الروسية للتأثير في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها وبين عمليات اغتصاب جنسية سابقة، الى جانب تهرّب من الضرائب وتحصيل أموال في مراحل قديمة بالاحتيال في الاسواق والتحايل على الدولة.

لذلك يكرّس ترامب معظم أوقاته لتوفير أموال اضافية تؤمن له خفضاً في إنفاقات الطبقات الوسطى والشعبية، فيحصل على تأييدها، وبالتالي على اصواتها، خصوصاً في الانتخابات النصفية في الشهر المقبل بما قد يؤدي لاحقاً الى حصوله على ولاية رئاسية جديدة.

تتبقى نقطتان: الاولى هي ان ترامب قد يغضب بلدان الخليج لسخريته منها، فتغادر النفوذ الأميركي، أما الثانية فتذهب نحو استكشاف التوصيف الأميركي الفعلي لهذه الدول؟

يعرف ترامب ومعه اختصاصيو أميركا انه ليس للخليج مفرٌ من العباءة الأميركية. فهو مشمول بالرعاية الأميركية منذ معاهدة كوينسي بين الرئيس الأميركي روزفلت ومؤسس السعودية الحالية عبد العزيز العام 1945. ما يعني أنّ المنافسين الدوليين لا يتجرأون على اللعب مع الأميركيين عند خطوط الحزام الاستراتيجية، هذا بالإضافة الى عشرات القواعد البرية والبحرية والجوية الأميركية التي تستطيع إلغاء أي تدابير داخلية لا تروق لسياسات بلدانها. وهي المنتشرة من عمّان الى حدود العراق مع تركيا فشرق سورية والأردن.

اما لجهة التوصيف الأميركي لبلدان الخليج فهم يعرفون بدقة أنها سلطات ضعيفة، لانها لا تستند الى تأييد شعبي. وهي مجرد آليات قبلية دكتاتورية تستخرج النفط فترضي شعبها بالقليل منه وتتوزّع ما تبقى مع الأميركيين والغربيين، كما انهم يتندّرون ان هذه البلدان نائمة خارج التاريخ لم تسمع لا بديمقراطية ولا انتخابات، حيث إنّ القضاء عندهم شفهي يحكم بما يتلاءم مع استقرار السلطات فقط، وهناك أكاديميون أميركيون يعتقدون ان حكام الخليج هم استمرار للقرون الوسطى ولا يعبرون عن العقيدة الإسلامية القائمة على الشورى.

ألم يقل لهم الرئيس الأميركي السابق أوباما عندما ذهبوا اليه يتهمون إيران بزعزعة أنظمة حكمهم، بأنّ

«المشكلة بكم في أنظمتكم الأوتوقراطية المعادية لشعوبكم، اذهبوا وغيّروا أنظمتكم نحو الديمقراطية فتكتسبون قوّة».

هذا ما يستفيد منه ترامب من السخرية على حكام الخليج لأنه ملمّ بمحدودية ردود فعلهم وخوفهم من شعوبهم والتغييرات الإقليمية المتسارعة.

وهذا ما يلاحظه المراقبون من صمتهم على تهديدات ترامب لهم وتهكمه عليهم ومحاولاته الدائمة لابتزازهم.

فهل كذب ترامب في توصيفهم؟ لا… بقدر ما عكس الموقف الأميركي العميق من حكام الخليج، فهل تتطوّر العلاقات الأميركية الخليجية نحو الأسوأ؟

ليس في القريب المنظور ومصلحة حكام الخليج البقاء وراء الكاوبوي للبقاء في سلطاتهم الدكتاتورية المستبدة؟

Related Articles

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: