لا معنى لثورة تتجاهل قضية فلسطين
الواضح أن هناك حاجة فعلية إلى إعادة النظر في كل المعايير. وأن هناك حاجة إلى أن نغادر العقل الكلي، الذي يعتمد صورة واحدة ونسقاً واحداً في مقاربة كل ما يحصل من حوله. فلا يحاول أحد أن يأخذ مسافة قليلة الى الخلف لمراقبة المشهد من زاوية أخرى. وبات المتحمسون للانتفاضة السورية، كيفما قامت، لا يهتمون لكيفية حصول الأمر، ولا لمن يتولّى قيادة الشارع، ولا لمن يسعى، وباشر الاستثمار، ولا الى موقف أعداء الأمّة مما يجري: ألا يكفي ترحيب الولايات المتحدة وإسرائيل، ومنذ اليوم الأول، بالانتفاضة السورية لتكون مدعاة للقلق؟ بينما ظل الأميركيون والغربيون يعملون بكل قوة لحماية أزلامهم في مصر وتونس وربطوا تدخلهم في ليبيا واليمن بأن يكونوا شركاء كاملين في اي تغيير سوف يحصل.
لكن السؤال الأساسي يتعلق بأصحاب هذا الرأي، وخصوصاً منهم الذين يعلنون أنهم ينتمون إلى معسكر المقاومة للاحتلال الأجنبي وللاستعمار الاقتصادي والتبعية الثقافية للغرب، وهو: هل تريدون فعلاً تغييرات تقتصر على حقوق خاصة بالأفراد والجماعات على طريقة فرقة «بدي عيش» المنتشرة منذ عام 2005 بين لبنان ورام الله ومصر والأردن ودول الخليج؟
وبالتالي، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تعترضون على فكرة أن الإصلاحات التي تنوي الأنظمة المستهدفة تنفيذها غير كافية؟
المشكلة مرة جديدة، هي في أن عملاء أميركا وإسرائيل من حكام ومثقفين وإعلاميين، جهدوا منذ لحظة اندلاع النار في جسم البوعزيزي، إلى رفض وجود أي مضمون سياسي وطني للانتفاضات العربية. وساروا في الركب الأميركي نحو بناء ثورات مضادة تقوم على أن تنشغل كل دولة، وكل شعب بمشاكله الداخلية، وألّا يفكر في أي أمر آخر من حوله.
وهو الفخ الذي يشغل مصر مثلاً، في انتخابات نيابية يعتقد الانتهازيون أنهم سيرثون بموجبها الحكم القديم. ثم لا يلبث هؤلاء أن يقبلوا بكل السياسات التي كانت قائمة سابقاً. فلا تكون هناك مشكلة في مصر مع استمرار كامب ديفيد وصفقة الغاز لإسرائيل، إذا ما أتيح اتخاذ قرار بمنع الاختلاط في المدارس. ثم لا يهتمّ هؤلاء، وخصوصاً المحرّضين على ثورة عمياء في سوريا، إذا ما كانت النتيجة حرباً أهلية مديدة، وتقسيماً وناراً تحرق الأردن ولبنان وتأتي على قوى المقاومة في دربها. ثم يطلقون كذبة ويصدقونها: أصلاً الغرب لا يريد سقوط هذه الأنظمة لأنها لا تمثّل خطراً عليه؟
ولو كانت هذه الخلاصة صحيحة، فما الذي يدفع الولايات المتحدة وكل دول الغرب وكل دول العرب ـــــ أميركية وإسرائيل وتركيا وأجهزة عالمية الى الانشغال 24 على 24 في متابعة ما يجري في سوريا؟
المشكلة هنا، هي في رفض المحتوى السياسي للثورات. وفي رفض العلاقة الحكمية بين أي تغيير داخلي وبين هوية الفريق الذي يحكم. فهل يعقل أن نقبل بحكم جديد في سوريا تكون نتيجته عزلها باسم حقوق شعبها، والانتقال الى مشكلات داخلية تؤدي الى حروب أهلية بديلةً من القمع الحالي؟
منطقتنا وبلادنا لديها مشكلات كبيرة بدأت بعد قيام اسرائيل. وكلما تعمقت ازمة هذا الكيان، ازداد الضغط على الحكومات والأنظمة والشعوب عندنا. ومن لا يرد أن يرى أن هناك من سقط وهناك من صمد، يكن من الفئة التي تصحّ فيها الدعوة الى الهجرة والتنظير عن بعد. أما وقائعنا الحالية فتقول إن مسيرات العودة فتحت الباب أمام معركة جديدة، ستكون أكثر قساوة، وبكلفة باهظة أيضاً، لكنها ستعيد الاعتبار الى المعنى السياسي الحقيقي لكرامة المواطن العربي، وليس لهذا المعنى من معبر آخر سوى المقاومة!
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment