Sunday, 27 January 2013

وصية الأسد أم رسالة جوبيتر ومارس لأوباما؟




‏السبت‏، 26‏ كانون الثاني‏، 2013
أوقات الشام
نارام سرجون
من اعتقد قلبه أنني كتبت ارضاء لأحد فعليه ان يغسل قلبه ويسكب عليه كل ماء البحر .. فكتابة الاسترضاء هي التي حولت دفاترنا الى زرائب للأغنام لايغسلها ماء البحر .. نحشرها في حقائبنا أو ندسها في جيوبنا بين مناديلنا أو نرصفها على رفوف المكتبات بين كتب تشبه قصور الرخام ..

ومن يعتقد قلبه أنني كتبت كرها لأحد فعليه أن يستحم في أحواض الشمس كي يتطهر قلبه من الكراهية .. لأن كتابة الكراهية هي التي حولت دفاترنا الى بحيرات لأسماك القرش وقلوبنا الى قلوب تماسيح .. وحولت أقلامنا الى أسنان تقطع شرايين الناس وأوردتهم..

ومن يعتقد أنني أبحرت في هذا الموج بحثا عن "الفروة الذهبية" فليعلم أن الفروة الذهبية كانت في الدوحة التي شد الرحال اليها طلاب الذهب .. ولكني بقيت وفيا لدمشق .. لأنني أعلم أنها الدورادو الشرق .. فمن يبيع مدينة من ذهب من أجل فروة ذهبية أو عباءة ذهبية يحرسها تنين النفط .. الا أشباه الثوار وأشباه الأحرار؟؟..

ومن يعتقد أنني كنت صيادا ألاحق الطرائد الثورية وأجندل الأحرار فانني أطمئنه بأنني لا أطلق النار على الخيول الغاضبة ولاعلى الظباء التائهة .. ولا على الأحرار .. بل على ثوار التتار .. وثوار الخوار ..

رحلة الصيد التي خرجت بها ولم تنتهي بعد لم تكن لارضاء أحد أو ضد أحد بل كانت لاصطياد قطعان الأكاذيب .. وأسراب الوسواس الخناس ..الذي يوسوس في صدور الناس ..الذي ملأ الفضاء .. وملأ النفوس..

لاأبالغ ان قلت بأن البشرية لم تنتج كذبا بالحجم الذي أنتجته ثورات الربيع العربي ..انه ربيع الأكاذيب .. ولاأبالغ ان قلت بأن أكبر عملية تلويث للتاريخ والضمير الانساني حدثت في هذين العامين .. وحجم الكذب المنتج في عامين يزيد عن حجم ماأنتجته الخيالات البشرية منذ عهد الأساطير الشرقية و"مغامرات العقل الأولى" وأساطير التوراة .. ولو جمعت البشرية ماأنتجته من أكاذيب منذ بداية الخلق ووضعته في كومة .. ثم جمعت ماأنتجته في عامي الربيع العربي لكان الفارق كمثل الفارق بين جبال الهيمالايا .. وجبل التبغ المعسل على رأس أركيلة في مقهى الروضة الدمشقي !!..فأكاذيب الربيع بارتفاع الهيمالايا دون نقاش..

فهل هناك بارتفاع كذبة الحرية الناهضة من عباءة حمد بن خليفة واليتيه؟ .. وهل هناك مايضاهي كذبة صنع العطر الثوري من بحور الزيت الأسود وقطف ماء الورد من حقول الغاز؟ ..وهل هناك كذبة تنافس كذبة أن فرنسا والغرب حريصون على الحرية في الشرق وأن أصدقاء سورية هم أحفاد السلطان سليم وريتشارد قلب الأسد؟ .. وهل في الدنيا كذبة تتفوق على كذبة اتحاد علماء المسلمين الذي لم يعلم المسلمين الا ذبح المسلمين؟؟ ..اتحاد لم يفتت الا المسلمين ..؟؟..وهل هناك من خدعة مثل خدعة الجهاد في سورية؟؟ وهل هناك من كذبة تتحدى عيونها كذبة قصف الطائرات أو الصواريخ السورية لعيون حلب؟؟

هذه التجربة الفريدة في تسويق الأكاذيب في سياق الحرب النفسية على الشرق لاجتثاث عقل الشرق وزرع مخ جديد للشرق ستكون مقدمة لانتهاكات خطيرة للغاية ليس بحق المستقبل بل بحق كل مانملكه في خزائن التاريخ المقفلة .. فتجربة الكذب الثوري كفيلة بتنظيف اسم أبي رغال واسم يهوذا الاسخريوطي وفق شهود عيان الربيع العربي .. ووفق تجربة الكذب الثوري سيعود أبو جهل صحابيا جليلا قتل في معركة أحد وهو يدافع عن الرسول كما يروي الوعاظ الجدد .. فيما أننا سنكتشف أن أبا لهب كان العم الحنون للرسول يوقد له اللهب ليلا ويوبخ أبا طالب على اهانته للرسول ..

منذ دخل الربيع علينا والكذب يتجول في شوارعنا ويجلس معنا ويأكل معنا ويشرب الشاي معنا في الأمسيات ويحدثنا عن الاسلاميين الذين سيحررون ويبنون ويعيدون السلف الصالح .. ويطلع الكذب بشحمه ولحمه من دفاترنا ومن كتبنا ويعتلي منابر المساجد ويحدثنا عن الله الشرير الذي لاهم له الا أن يقتل الشيعة والسنّة الوطنيين الذين لايؤيدون شرع الله الخليجي .. يجلس الكذب على كراسي المقاهي ويتبادل معنا خراطيم الأركيلة ويقوم على خدمتنا بنفسه ويضع على تبغ الكذب الجمر والنار ويضع الحطب على لهيب الخطب .. وما دخان الأراكيل الثورية الا دخان الأراجيف .. يملأ الشوارع ويخنقنا ..ويتسلل من آذاننا الى سراديب عقولنا ..

انه عصر الكذب وجيل الكذب واكتمال كل عناصر الكذب .. فماذا يريد سلطان الكذب ليبني مملكته الا اكتمال بيئته ودورة حياته؟ صحف تكذب وفضائيات لاتقول الا الكذب ومثقفون متثاقفون جياع يعتقدون أن الكلمة جارية وأمة ومما ملكت الأيمان أو أنها سهم في البورصة .. وحكايات الجمل والسقيفة تتجول بين الناس وهي تسعى بين الصفا والمروة ومزدلفة الحرية والطائفية .. وأمراء يسرقون آباءهم وملوك فاسدون .. ومال كثير .. ورجال دين بلا دين .. وجمهور واسع من الأنعام ..

في عصر الكذب الثوري انتعشت الطوائف وصارت تشرب من دم بعضها حتى الثمالة .. لأن الكذب هو مايروي الكراهية الدينية وهو مايروي العنصرية الدينية .. فكما أن كذبة "شعب الله المختار" أطلقت كراهية يهودية لكل الغوييم والأغيار وخلقت وعود الله بالأراضي من الفرات الى النيل واحتقار شعوب الارض، فان الايمان بـ (ولقد كنتم خير أمة أخرجت للناس) التي تتجاذبها الطوائف والتيارات السلفية للاستيلاء عليها وتسقيها بالأكاذيب والأساطير، تحول الى طيف من أطياف عبارة "شعب الله المختار" العنصرية .. فولدت من رحمها أكذوبة الفئة الناجية من النار بين 73 سبعين فرقة من المسلمين .. لتعيد انتاج عقيدة عنصرية اسلامية هي "طائفة الله المختارة" على نسق عبارة "شعب الله المختار" ..وبنفس رائحتها.. وولد مولود آخر .. فصار الحكم الاسلامي "حكم الله المختار" ..

الأكاذيب صارت تفرّخ وتلد الأكاذيب وصارت ميادين الاعلام تعاني من تفجر سكاني في مواليد الأكاذيب..الأرحام الخصبة في اعلام العالم الغربي تدافع رياء عن ربيع العرب والعدالة والحرية وحقوق الانسان .. واعلام النفط يلد الأكاذيب كما تلد الأرانب والقطط .. وأفواه مذيعي الجزيرة والعربية لاتشبه الا أرحام الأرانب والقطط الولودة ..التي تقذف مواليدها من فم كريشان وريان وبن قنة .. ومن فم صفوت الزيات الذي يشبه كهفا مظلما تنطلق منه الأكاذيب كأسراب الخفافيش وأسراب الجراد النهمة تأكل الأخضر واليابس في عقول العرب ..

ولذلك تحولت ماتسمى "بالثورات العربية" المتشربة بالأكاذيب الثورية الى مشاريع بلا أفق والى نزاعات بلا نهاية وانكفأت بسرعة من مشاريع حرية الى حالة دينية لايهمها بناء الجامعات بل دخول الجوامع .. وتعتبر الثورة السورية مثالا مثيرا للسخرية بانكشاف جذورها الدينية بسرعة التي تركت شعارات الحرية من أقفاص الديكتاتورية ودخلت أقفاص الله في طوائفه .. وماكان يحيرني هو نجاح الاعلام بسهولة فائقة في تحويل النزاع في سورية من المطالبة بالغاء المادة الثامنة وقانون الطوارئ ومحاكم أمن الدولة الى مجرد حلم (الثوار) برئيس سني حتى لو كان من قلب النظام وصار "مناف طلاس" مرشحا كوزير للدفاع في ثورة (الكرامة) !! .. وانشطر الشيوعيون العرب الى شيوعيين سنّة وشيوعيين شيعة .. وتبين أن كل الأحزاب العربية الثورية دون استثناء كانت بلا جذور ثورية لأن جذورنا الدينية المريضة هي الأقوى .. ففي العراق انضم الشيوعيون الشيعة الى حكومات بول بريمر الامبريالي لأنه أعاد للتوازن الطائفي منطقه وأنصف الشيعة كما يعتقدون .. فيما انضم رياض الترك الشيوعي السوري الى التحالف الامبريالي والديني لأن ذلك قد يعيد السلطة الى حضنها السني..

كيف لي أن أتنفس في هذا الجو .. وكيف لي أن أرى الا الضباب والدخان وجشاءات أردوغان ونفاثات الاخوان في العقد؟؟

في أجواء الكذب لن ترى الحقيقة خلف جبال الهيمالايا .. ولكن كومة جبال الهيمالايا من الأكاذيب لايجب أن تمنعنا من تسلق المرتفعات الشاهقة لنحفر فيها بمعاولنا ونذيب قممها بدم الشهداء .. ونغسلها بأصوات الأذان النقي من الجامع الأموي .. ونغسلها بأصوات أجراس كنائس دمشق .. سنسقط هذه الهيمالايا .. وجبال الدخان .. وسنرى ماذا خلف الدخان ولهاث أردوغان ..ونفاثات الاخوان..

من بين هذا الدخان الذي تنفثه أراكيل الشرق الدائخ بالدخان هو ماسمي وصية الرئيس الأسد .. فهل كتب الأسد وصية؟ ولماذا يكتبها ؟؟ صحيفة الديار يقال أنها هي من نشر القصة وتحدثت عن خطوط طيران للصواريخ السورية في حال اغتيال الأسد .. والديار أكثر ميلا لفريق الدولة الوطنية السورية ولن تكتب الا مايكون له نار وجذور ؟ فلم ينشر هذا الخبر الذي تلقفه مؤيدون ومعارضون بنفس الحماس..

بعض المتحمسين يراها رسالة تهديد ووعيد واستعراض لمخاطر استهداف الأسد .. ولكن البعض من ذوي النوايا السيئة يريد استغلال ذلك بايصال الناس الى الاحباط وتصوير الرئيس على أنه مسكون بهاجس الاغتيال ومسكون بالقناعة بأنه على موعد مع الموت والهزيمة ..ولكن الرجل يتجول في دمشق ويطل على الناس في كل المناسبات ..انه سلوك من لايعتني بوصية ولايتهيب الموت..

ولكن لماذا يكتب الأسد وصية ؟؟ .. فالوصية يكتبها من يدرك أنه اقترب من النهاية .. وهو يقول فيها مالا يريده أن يموت بموته ..والوصية يكتبها من شارف على الهزيمة ..سواء في حياته الشخصية أو العامة .. الوصية قد يكتبها المنتحرون الذين يتهيؤون للرحيل بعد أن سئموا الحياة .. فلم يكتب الأسد وصيته ؟؟

صحيح أن القيادات التاريخية الكبيرة هي التي تستعد لكل الاحتمالات وتضع الخطط المدروسة لكل السيناريوهات وكل قائد وزعيم كبير هو على موعد مع كل الأخطار ولكنه لا يكون مسكونا بفكرة الموت بل بفكرة الايمان بنصر مشروعه..وابقاء مشروعه على قيد الحياة ..

والأسد تمكن من الصمود بشعبه وجيشه ودولته وفاجأ صموده الجميع ولايتنكر لهذه الحقيقة الا عميان الثورات الذين فقئت عيونهم بالأكاذيب والأوهام .. وهناك ألف سبب ليجعله يفكر في اعداد مهرجانات النصر لا في الوصايا والأكفان .. والأسد هو رجل دولة قبل أن يكون رئيسا عاديا وعابرا .. وهو لايتعامل مع سورية على أنها مزرعة لرجل الدولة وأن شعبها يدفع ثمن نزواته ووصاياه الشخصية ويخوض حروبا ثأرية رعناء بلا تخطيط ..

هذا ماتريده عملية التلاعب النفسي بفكرة الوصية .. أي تصوير أن الرجل لايفكر في الحرب والثأر الا في حال وصول النار الى بيته .. وأنه سيعاقب الشرق كله على ابعاده من الحياة السياسية اقصاء أو اغتيالا .. أما قبل ذلك فليحترق الناس ولتحترق سورية وشعبها وجيشها .. فهذه الصواريخ تحولت من صواريخ الشعب السوري والجيش السوري التي تدافع عن البلاد الى صواريخ الرئيس الأسد ..وعائلة الأسد..وستبقى في مخازنها الى أن يغيب الموت مالكها ..

هذا الترويج السطحي الساذج أو المقصود لما قيل أنه وصية يخدم الفكرة الكاذبة التي تروجها وسائل الاعلام العربية والغربية من أن سورية دولة فاشلة وقراراتها ومصيرها بيد فرد أو عائلة وهي تدار حسب أمزجتهم وانفعالاتهم وردود فعلهم .. وهناك غياب لمؤسسات الحكم وآلية صناعة القرار .. ولذلك فالثورة السورية قدمت نفسها دوما على أنها تريد الخروج من هذا التصور الفاشل لتؤسس لدولة حقيقية بعيدا عن فساد العائلة وانفرادها بمصير الشعب السوري .. فأطلقت مشروعها ولسخرية الأقدار .. من الدوحة .. حيث لاعائلة ولاقانون بل مزاج أمير ينزلق كل يوم بقشرة موزة يسير بالبلاد ..

ولكن الحقيقة التي تغيبها قنابل الدخان الثوري والقنابل الصوتية هي غير ذلك .. فالرئيس الأسد يقوم على رأس دولة ومؤسسات حكم رصينة ..وهذه المؤسسات هي التي تقدم له المشورة والخيارات وتصنع معه القرارات .. وهو لايتصرف بمنطق الانفعال ورد الفعل بل وفق معطيات وآراء مكاتب استشارية على مستوى عال من المهنية والحصافة الديبلوماسية .. وهو يتصرف بمنطق رجل الدولة الذي يتحدث مع كل أجهزة الدولة من خلال مكاتب القرار في رئاسة الجمهورية .. ولو كان رئيسا انفعاليا لأطلق الصواريخ في كل اتجاه عقب اغتيال صهره ووزير دفاعه وقادته الكبار .. وكانت الصواريخ يومها تواقة لأن تقوم برحلات الى الدوحة أو الرياض أو أنقرة أو تل أبيب .. وكان المبرر موجودا بقوة وكان الاندفاع الشعبي لذلك بلا حدود .. لكن الأسد لم يفعل .. فكما أن مفاتيح الحقيبة النووية بيد الرئيس الروسي والأمريكي لايقرر استعمالها مزاج الرئيس بل الحالة الاستراتيجية والدفاعية للبلاد فان مفاتيح الترسانة العسكرية السورية من الصواريخ الهامة ومفاتيح الحقيبة الكيماوية -ان وجد سلاح كيماوي طبعا- لايمكن استخدامها بشكل عشوائي وبناء على ردود الأفعال مثل أي دولة تحس بمسؤوليتها .. فعندما تعرض غورباتشوف لمحاولة الانقلاب لم يمكن لأحد استعمال مفاتيح الحقيبة النووية التي بحوزته .. وعندما أطلقت النار على جون كينيدي وعلى رونالد ريغان لم توجد هناك وصايا باطلاق الصواريخ الاستراتيجية على أحد.. بل بتقدير الموقف وتولي نائب الرئيس مهمة تقدير الحالة واتخاذ القرار..وبنية الدولة السورية يجب أن تشبه دولة رصينة قوية لابنية أمارة ولامملكة ولاجمهورية موز وانفعال مزاج ..

كما انه منذ بداية الأزمة وبرغم كل الأصوات النارية والانتقادات والدعوة للضرب بقسوة على المناطق المتمردة لم تتصرف القيادة السورية وعلى رأسها الرئيس الأسد كقيادة المرحلة الراهنة بل كقيادة تتعامل مع التاريخ ومع جذور الأزمات .. انه الرسم للمستقبل ومخطط اقتلاع الأزمات من جذورها .. بدل قطع الأغصان واسقاط الأوراق.. فيلاحظ أن الأزمات القوية التي هزت الحكم في هذه المرحلة تم تجاوزها بحسابات دقيقة .. من فقدان قادة خلية الأزمة وذروة القيادات العسكرية الى عملية تجنيد رياض حجاب .. الى خطر اندلاع حرب أهلية ..الى خطر التدخل الغربي .. وتمكن الهدوء الفائق لمؤسسة الحكم من ضبط الأعصاب والانفعالات بشكل متوازن .. ولولا ذلك لكانت الدولة تفككت وانهارت بسبب ردود الفعل والتوتر والاستجابة لنزق الجمهور .. والأهم لتحولت سورية كلها الى معسكرات لجوء هائلة ومقابر لمئات الآلاف ..

طبيعة الحكم في سورية هي مضبوطة بدقة فائقة لأن الحكم الوطني يعنيه الحفاظ على الشعب والوطن وكيان الدولة .. قبل الرئيس.. بل مهمة الرئيس الأولى هي الحفاظ على الوطن والشعب وكيان الدولة معا واستعمال كل القدرات والامكانات للمرور في ردهات الأزمات بأقل الخسائر.. ومؤسسة الحكم السورية ليست مجلسا وطنيا يديره حالم مثل غليون وطيفور والشقفة وأغرار السياسة ويقرر له حمد بن جاسم راتبه وسياساته .. ولايمكن للسيدا ولاللعرعور الجلوس في أحذية من يقوم عليها .. وهذه المؤسسة لديها خارطة طريق لكل احتمالات الفراغ السياسي منذ عهد الرئيس حافظ الأسد .. فهناك الجانب الدستوري والجانب العسكري والجانب الديبلوماسي .. وهناك خطط جاهزة دوما في حال شغر موقع الرئاسة لأي سبب طارئ .. فالرئيس السوري هو انسان ويمرض ويشفى ويتعرض للحوادث .. وعليه فان بلدا هاما للغاية مثل سورية لاتحكمه وصية .. بل تحكمه معادلات الحكم الصارمة ومؤسسات الدولة الجماعية .. وطوال هذه الأزمة لم يقم الرئيس (كما يشير العارفون) باتخاذ قرار مهما كان صغيرا الا بعد اجراء الكثير من المناقشات والاستشارات والاجتماعات والمراجعات وبعدها يتخذ القرار الذي يراه مناسبا وهو في المحصلة قرار عاقل وقرار الجماعة وليس قرار الفرد .. ولذلك نجد أن عملية تدمير الدولة السورية لم تنجح رغم كل جحافل الكذب وطوفان المال والسلاح والفتاوى .. بل هناك تقهقر واضح في زخم المهاجمين .. ويتسرب يأس متعاظم الى نفوس المقاتلين .. وسيقول لكم ضباط الجيش السوري ملاحظات ملفتة للنظر مثل أن المجموعات التي قاتلت الجيش السوري في بداية النزاع لم يكن لدى المعتقلين والقتلى اي آثار لوصايا شخصية .. فيما وصلت الآن نسبة مايجده الجيش في جيوب المعتقلين من وصايا لهم ولرفاقهم الى حد يؤكد أن مزاج هذه المجموعات صار انتحاريا يائسا .. ومهتما بالوصايا لفقدان الأمل بالبقاء أو النصر..رغم تمثيليات الاسترخاء والعنتريات الثورية..

قد يلوم البعض قرارات الدولة التي تلكأت في التعامل مع التمرد لكن يبدو ان المحصلة النهائية هي التمكن من تجنب حرب أهلية كان يرسم لها بعناية فائقة تؤسس لتقسيم البلاد .. وصار هناك ادراك واسع داخلي أن الدولة حاولت جهدها استيعاب المتمردين ولكنهم ضيعوا الفرصة .. وانقلب التشكيك بالمؤامرة الى يقين بالمؤامرة لدى معظم الشرائح حتى بين الثورجيين الذين يقرون الآن ولو على تردد بوجود مؤامرة لكنهم يلومون الحكم على سماحه بالاخطاء الداخلية لتنجح المؤامرة .. والربيع العربي كله بسبب هزيمته في سورية يتعرض الآن لمحاكمة واسعة لدى الجميع بعد أن كان مهابا لايمكن نقد مسعاه للحرية المقدسة .. وهاهو يتعرض للرجم ككل زانية .. وأولى ساحات الرجم هي ساحة التحرير في القاهرة ..

ماقيل عن وصية للرئيس الأسد لاأعتقد الا أنه هراء في هراء والرسالة الجوهرية التي تم اطلاقها (باسم وصية) لم تلتقط جيدا في الحقيقة .. وماوصف بالوصية هو تصور لسيناريو الحرب المقبلة اذا مااندلعت .. وهو رسالة سورية واضحة بوجهة الصواريخ في الحرب واتجاه رؤوسها .. فمن يراقب الجولان هذه الأيام يلاحظ نشاطا عسكريا دفاعيا اسرائيليا ومناورات عديدة بل وتكرر زيارات المسؤولين العسكريين الاسرائيليين الكبار الى خطوط الجبهة (وهم الذين غابوا عنها لسنوات) بحجة التأكد من عدم تجاوز السوريين لقواعد فض الاشتباك.. وهناك سواتر تنهض وحواجز على الحدود لمنع سيناريو حرب في الجولان.. المنطقة صارت كغابة كبيرة للسلاح وصارت الصواريخ تنمو كالأشجار .. والسلاح يتكاثر من الباتريوت الى الاسكندر الى صواريخ البحر وطائرات التقنيات العالية .. الروس في مناوراتهم يبدو أنهم قرروا المضي في تحديهم حتى النهاية والايرانيون في مناوراتهم الواسعة يبدو انهم على نفس الخط .. أردوغان لايتراجع ولكنه لايتقدم .. وهولاند لايتراجع لكنه لايتقدم .. وملوك السعودية وأمراء الخليج لايقدرون على التراجع علنا لأن واشنطن والغرب يريدان المضي حتى النهاية في مشروع استعادة عهد الاستعمار في الشرق الأوسط واتلاف خارطة سايكس بيكو وتمزيقها لاطلاق سايكس بيكو الثانية ..خارطة الدم ..

الوضع السوري الآن وصل دوليا الى جمود سياسي لايذيبه الا اتفاق أو حرب .. الكل يتحضر ربما لآخر جولة مفاوضات في الأسابيع القادمة .. ومنها تعرف النهايات ..اذا تم الاتفاق وهو الأرجح وعرفت حدود النفوذ والمحاور والتكتلات الجديدة في نهاية الربيع العربي فقد انتهت الأزمة السورية سياسيا وسيتلوها تراجع عسكري واضح وسريع .. وان أصرت الأطراف على أخذ مالايعطى في المفاوضات.. فالسلاح الذي استقدم الى الشرق جاهز .. ووصية الأسد ليست بوصية لكنها شرح توضيحي الى من يهمه الأمر في الشمال والجنوب ..والشرق والغرب .. عن نوايا الصواريخ السورية واتجاه عيونها دون مجاملة أو وجل ليغطي اسرائيل والأساطيل الامريكية .. ويبدو أن الرسالة وصلت جيدا قبل خطاب أوباما في حفل التتويج .. ولذلك قرر أوباما الرد على الرسالة بسرعة في حفل تتويجه .. بأنه ليس في وارد الحرب .. بل في وارد السلام ..ونسي تماما أن يتابع عده التنازلي لأيام الأسد .. تبدو رسالة الأسد و"حلفائه" الى أوباما مثل رسالة مارس اله الحرب وانذاراته .. مارس ابن جوبيتر كبير آلهة الاغريق .. واذا بعث مارس برسائله .. فعلى أعدائه أن يفكروا بكتابة وصاياهم ..
River to Sea Uprooted Palestinian  
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!

No comments: