الخميس، 31 كانون الثاني، 2013
أوقات الشام
هذه هي المرة الثانية التي أشتهي فيها الحرب .. شهيتي مفتوحة للحرب بعد أن فقدت شهيتي للبكاء .. يااله الحرب انهض .. كل حروب الدنيا حمقاء وكل الحروب مجنونة وكل الحروب جرائم ..الا هذه الحرب التي تتوق اليها نفسي وتتوسلها عيوني.. والتي تتفتق من تحت مسامي .. فقلبي صار قنبلة كبيرة موقوتة وضرباته هي دقات ساعة التوقيت .. والدم الذي يغلي في العروق جف وصار بارودا .. وأصابعي تشتعل كالديناميت حتى صرت لاأقدر على الكتابة .. بل عار على القلم أن يكتب اذا كانت الأصابع التي تمسكه أصابع ديناميت تشتعل فتائلها.. والقلب الذي يوحي اليه قنبلة تسمع تكاتها.. وعندما تتفتق جلود الرجال غضبا .. ويصبح دمهم بارودا .. وقلوبهم ساعات توقيت للقنابل .. فلا بد من الحرب ..
لاأخفيكم أنني في مثل هذه الظروف أفضل ألا أستمع للكثير من المحللين العقلاء الذين يخوضون في الشأن السوري ولاأستثني منهم الخبراء والناطقين باسم الدولة السورية .. ليس لأنني لاأثق بهم لكن لأني أخشى انهم كما في السابق ربما يجنحون أحيانا بالحوار والجواب الى ضفاف وموانئ لاتهمنا من قبيل (الرد في الزمن المناسب والوقت المناسب) و(العدو يصدر أزماته) و (الحكمة وضبط النفس) .. الذي يدور ولا يتغير أكثر من (لأن اسرائيل تثبت أنها دولة عدوانية) .. وكأن في عدوانية اسرائيل شيئا جديدا .. وبعضهم يعتقد أن نبرة الصراخ قد تهدئ السؤال الجامح فاذا بالصراخ يستفز بقية الأسئلة التي تثور وتدق بحوافرها على صدى صراخه ..
ولكنني لاشك لاأعير محللي العرب والمعارضة السورية أي اهتمام لأن هؤلاء الطبالين مجرد عرائس في مسرح العرائس .. وفي مسرح العرائس لاشيء حقيقي على الاطلاق .. وبالطبع سيقول هؤلاء مايقولون عن السخرية من الدولة الوطنية السورية واستفزازها والشماتة بها والتساؤل عن غياب الطيران والصواريخ .. وتذكيرنا بأربعين سنة هدوء في الجولان واتهامات العمالة وتجرؤنا على مواطنينا العزل (المسلحين بالسكاكين والدوشكا فقط) وسكوتنا عن اهانات اسرائيل..
هذه الغارة لم تكن غارة عادية على مبنى عادي بل غارة على عقول السوريين لالقائها في اللاأدرية والشك .. فألقت مئات حواضن القنابل العنقودية المحملة بأسئلة كالقنابل والتي انتشرت في زوايا وأركان الأعصاب فأصابت الجميع بالحيرة .. وضربت مراكز التحليل في العقول وفك الشفرات في الدماغ .. فانتشر الغموض ..وتحولت أدمغتنا الى حقول مليئة بالشوك والأسلاك الشائكة كلما خطونا فيها لسعتنا وخزات الابر وانغرزت الأسلاك في أصابعنا وأدمتها وانغرزت في أعصابنا لتزيد حيرتنا ومن لسعات الكهرباء..
لم أقدر أن أحصي الأسئلة التي سقطت على عقلي من تلك الغارة .. كان عقلي يشبه أرضا تتعرض للقصف بقاذفات ب 52 الأمريكية التي تنطلق عادة من قاعدة العيديد القطرية .. ولكنها بالمجمل أسئلة تتمحور حول مجموعة عناوين وتتفرع من جذوع كبيرة ..
فما هي طبيعة الهدف الذي قصف؟ ولماذا الآن بالذات؟ وهل لتوقيته علاقة بالازمة السورية؟ وهل هو اختبار ؟ وهل هو تحد واستفزاز؟ هل يريد أن يقول ان الجيش السوري ضعيف أو بدأ يضعف؟ هل تقدر سورية على الحرب الآن؟ هل يدرك الاسرائيلي ماذا يعني تحرشه ويعرف أن السوريين صاروا عاجزين عن الرد؟؟ كيف حصلت الثغرة الجوية والاختراق؟ هل هناك غيرها؟ هل من الممكن أن تكون اسرائيل تستعد الآن للحرب؟؟ هل يجب على السوريين أن يردوا؟؟ ام عليهم ان يختاروا الزمان والمكان المناسب كما العادة حيث لم يأت أي زمان وأي مكان مناسبان؟؟ هل كان من الممكن استهداف القصر الرئاسي السوري؟؟
هل للأمر علاقة بما قيل عن أسر مجموعة عمل اسرائيلية في داريا وكان الجيش يعمل بدقة على اسرها بدل قتلها بهجوم عشوائي على المسلحين؟؟ لماذا عاد أيهود باراك على عجل من منتدى دافوس وقطع رحلته منذ يومين؟ لماذا تعجل نتنياهو الاتصال بموسكو منذ يومين بحجة الاسلحة الكيماوية السورية؟ وماذا بعد؟؟ وهناك مئة لماذا .. وألف هل ..وعشرون ألف كيف.. ومئة ألف اشارة استفهام لايسبقها سؤال ولايتبعها جواب بل اشارات تعجب .. ونقاط في الفراغ..
في الحقيقة انني بعد أن نظرت الى المشهد العام وجمعت شظايا المعلومات المتناثرة كالزجاج المهشم منذ أسابيع .. لم أجد الصورة كما كنت تخيلتها عند هجوم الأسئلة علي وعند غارات الحيرة على مراكز التحليل في دماغي .. بل على العكس ان السؤال الذي يشبه حمالة المفاتيح وتبدأ منه مفاتيح الاسئلة بالافصاح عن أماكنها هو: لماذا هذا التوقيت بالذات؟ .. وتتهاوى الأسئلة على بعضها مثل حجارة الدومينو عند اسقاط هذا السؤال على غيره من الأسئلة .. ففي هذا السؤال ربما تختبي الأسرار.. وربما تتدفق الأنهار .. لتروي حقول الفضول الظمأى..
ان ما تقوله الغارة شيء مغاير لما نعتقد ..فالبعض يعتقد أن اسرائيل صارت مدركة لوهن النظام وهاهي تتحرش به وهو يرتعش ويهتز بجذعه المنخور وتدفعه اسرائيل دفعة نهائية نحو النهاية .. لكن الحقيقة التي لايجب ان نتملقها ولاأن نزدريها هي أن العمل الاسرائيلي يشير بشدة الى أن مشروع اسقاط النظام السوري ربما قد اقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة عسكريا .. وأن هناك سباقا مع الزمن بين اسرائيل وحلفائها من جهة وبين سورية وحلفائها من جهة أخرى ..فالمعطيات الدولية تشير لتقارب وجهات النظر الكبرى حول التخلي عن المعارضة السورية والتخلي عن اسقاط نظام دمشق ..
ولكن الأهم هو المؤشرات الميدانية التي تشير الى تقهقر كبير في امكانات المسلحين وطرق امدادهم ووقوع خرائط الامدادات والاتصالات والشبكات الرئيسية في يد الجيش السوري الذي كلفه اعدادها كل هذا الصبر والتريث والنفس الطويل .. وهناك على الأرض تحركات قوات النخبة السورية وعديدها بعشرات الآلاف والتي تلقت مؤخرا تدريبا مكثفا ونوعيا على قتال الشوارع والكوماندوس والتي يقال انها ستحسم في حلب وادلب نهائيا وتقطع حبل السرة التركي عن المسلحين .. ولذلك بعث الائتلاف المعارض برسالة معاذ الخطيب الجاهز للتفاوض (وقام الائتلاف بتمثيلية التنكر لها) ..
وربما تريد اسرائيل اشغال الجيش السوري وقوات النخبة عن التحرك القوي شمالا بابقائه في حالة تنبه في الجنوب بسبب احتمال الحرب .. ورسالة اسرائيل بأن التحرك شمالا لم يعد مأمونا لأن اسرائيل لن تترك المعارضة السورية تتلقى الهزيمة النهائية .. وقد تتدخل بالحرب جنوبا .. والملاحظ أن الغارة الاسرائيلية أعقبت أخبار تجهيز المجموعة الثانية من صواريخ الباتريوت في تركيا منذ يومين كمؤشر على أن حرب سورية ستكون على جبهتين ان اشتعلت .. شمالا وجنوبا .. وتشير بعض الملاحظات الاستراتيجية الى أن الجيش السوري يضع في حسبانه دوما أن تفاجئه اسرائيل جنوبا ليتمكن المسلحون وتركيا في الشمال من التمدد أكثر في حلب وادلب واعلان منطقة محررة واسعة تكون مقر حكومة مؤقتة أو بؤرة منطقة شبه عازلة لا تقرها الأمم المتحدة رسميا لكن يقرها الأمر الواقع حيث ستصل اليها أسلحة كثيرة ومتطوعون كثيرون من العالم الجهادي .. ويصبح التعامل معها شديد الصعوبة وتنطلق منها سياسة الأمر الواقع ..وتكون بمثابة الجرح الذي ينز ويتقيح ومنه تنتشر الغرغرينا والحمى في الجسد السوري.. وهذا ما كان عاملا مهما في تريث الجيش في نقل بعض قدراته الرئيسية شمالا .. حتى تم اكتمال الاعداد منذ فترة وجيزة ..
مايرجح هذا الاحتمال بقوة هو محدودية الضربة فاسرائيل من الواضح أنها لاتريد حربا لأنها أرادت رسالة صوتية كبيرة فعندما تلكأ السوريون في اعلان الخبر لقراءة مغزاه وتحليل محدودية الغارة لم يتحمل الاسرائيليون والأمريكيون هذا التريث وسارعوا الى الاعلان عنه .. والمقصود بذلك شد انتباه الجميع الى احتمال لجوء اسرائيل الى هذا العمل في حال تحركت قوات النخبة الى الشمال .. وتضع اسرائيل في حسبانها ان السوريين ليسوا في وارد أولوية الاشتباك مع اسرائيل في وجود خنجر تركيا في الظهر السوري والسم الاسلامي الجهادي في بعض بؤر الجسد السوري .. وأن الحرب مع اسرائيل كانت على رأس الاستراتيجيات العسكرية السورية ولم تسقط لكن جبهة النصرة واردوغان والمعارضة المسلحة أصرت بسلوكها العنيف على دفعها جانبا للحلول محلها .. فماذا تريد اسرائيل من الحرب على سورية اكثر مما تفعله الآن تركيا وجبهة النصرة والاخوان المسلمون؟؟ فهؤلاء يريدون الحكم وبناء المساجد فقط دون استراتيجيات مواجهة مع الغرب .. وهم يريدون هدم الجيش السوري وتسليم سلاحه وتخفيض عديد الجيش الى 50 ألف مقاتل يعملون في التشريفات الرئاسية وفرق العزف العسكري والعروض ..ولذلك تحولت جبهة النصرة والاخوان المسلمون الى فرقة اسرائيلية خاصة يجب على الجيش السوري تدميرها كما لو أنها تخضع مباشرة لأوامر قائد الأركان الاسرائيلي لأن هدف هذه المجموعات يتطابق مع هدف العدو الاسرائيلي.. فاستحقت أن تعامل مثله ..
محدودية الضربة مؤشر قوي على أن اسرائيل لاتريد اختبار الجيش السوري فهي تعرف أن امكاناته الاستراتيجية وأذرعه الضاربة الصاروخية لاتزال في منتهى القوة والبأس وان انفلتت هذه الأذرع فالحرب مع اسرائيل ستكون شرسة للغاية وبلا حدود وبلا سقوف للضحايا لأن الاحتكاك البري سيكون محدودا لسبب وجيه هو أن اسرائيل لن تغامر برّيا بالنزول عن هضبة الجولان نحو دمشق لأن هذا قد يعني التخلي عن الحماية الطبيعية للجغراقيا للجيش الاسرائيلي بكشفه أمام وحدات سورية برية .. والجيش السوري في هذه الظروف لن يصعد الهضبة .. ولذلك فان المبارزة ستكون بين الطائرات الاسرائيلية والصواريخ السورية من كافة الأنواع .. ولاأدل على استشعار اسرائيل لقوة الجيش السوري من جعل تحرشها محدودا للغاية ولثوان وفي هدف محدود ..ولو أن الجيش السوري ضعيف لأكملت اسرائيل مهمتها الجوية وألحقتها بغارات تلو الغارات حتى دمرت كل مايمكنها من السلاح ووحدات الحرس الجمهوري حتى تعيدنا عسكريا الى (الحديدة) كما يقال في الأمثال الشعبية عن المفلسين من بعد غنى..وتكررت مفاجأة حزيران عام 1967 ..
أما الثغرة الجوية التي نفذت منها اسرائيل فهي لاتشكل كبير مفاجأة لأن مثل هذه الثغرات لاينجو منها جيش في العالم حتى الجيش السوفييتي اخترقه طيار بطائرة شراعية (الألماني ماتياس روست) وهبط فيها في قلب ساحة الكرملين في الثمانينات رغم كل تكنولوجيا الدفاع الجوي حول موسكو ..
وحتى اسرائيل نفسها منذ أشهر قليلة فوجئت بطائرة أيوب التي أطلقها حزب الله واخترقت الدفاعات الجوية الاسرائيلية والرادارات وسارت في عمق اسرائيل ولعشرين دقيقة وليس على ضفاف اسرائيل كما في غارة اسرائيل الأخيرة التي كانت على ضفاف سورية ولثوان فقط .. اضافة الى أن هذا الخرق ممكن دوما خاصة في أجواء وجود معارضة تعمل الآن بمنطق ان عدو عدوي هو صديقي .. فتصادقت استراتيجيا مع اسرائيل بسبب وحدة الهدف والعدو المتمثل في الدولة السورية وصارت تهاجم نقاط الدفاع الجوي وتقدم المعلومات العسكرية بسخاء للأتراك والناتو ومنهم بالطبع الى الاسرائيليين ..
ولكن مراجعة بعض العسكريين الاستراتيجيين لخارطة الغارة تشير الى احتمال أن الطائرات الاسرائيلية لاتحتاج عبور الحدود بسبب قرب الهدف الذي قصف من لبنان وربما تصل الطائرات الى ماقبل الحدود وتطلق صواريخها مما يجعلها ضمن الأجواء اللبنانية والصواريخ تستطيع اكمال الرحلة الى الداخل السوري على بعد بضعة كيلو مترات .. ويبقى البيان العسكري السوري غامضا حيث اشار الى تسلل الطائرات من تحت مستوى الرادارات .. وهي عبارة غامضة تحتاج الى تفسير عسكري بسبب تلاصق الحدود السورية اللبنانية ..الا أذا كانت الطائرات الاسرائيلية كما قال خبير جوي قد عبرت الأجواء من تلك النافذة الرادارية الضيقة لأقل من 15 ثانية وألقت القنابل وعادت مسرعة الى داخل الأجواء اللبنانية .. وهي فترة قصيرة للغاية لاطلاق المنظومات الدفاعية الجوية وتفعيلها واتخاذ قرار اطلاق القذائف ..وهنا تتم المقارنة بعملية اسقاط المقاتلة التركية قبل أشهر قبالة الشواطئ السورية لأن مدة تحليق الطائرات التركية المسرعة في الأجواء السورية امتدت ربما لدقائق (البعض قال دقيقتين) تم فيها التأكد من الهدف واتجاهه وكان الوقت كافيا للوحدة المرابطة لاتخاذ القرار.. وهنا يطرح سؤال مهم وهو: كم تحتاج الطائرات الاسرائيلية للوصول الى دمشق من تلك النقطة وهل هناك وقت كاف للدفاع عن دمشق والأهداف الثمينة المعنوية فيها ومنها القصر الرئاسي في هذا الوقت الذي يقل عن دقيقتين.. والجواب هو نعم لأن بعض العسكريين الاسرائيليين قالوا سابقا بأن تحليق طائرات اسرائيلية فوق القصر الرئاسي السوري لم يعد متاحا كما حدث في الماضي بسبب أن الأهداف الحيوية الرئيسية في دمشق مزنّرة منذ عامين بوحدات دفاع جوي قصيرة المدى وشديدة الدقة وبعضها ذو اطلاق ذاتي على الأهداف الجوية المخالفة لشيفرة التعارف العسكري (على مبدأ الباتريوت والقبة الحديدية الاسرائيلية) .. وهذا ربما مايفسر عدم دوام رحلة الاختراق الاسرائيلية الى العمق السوري لتفادي الوصول الى المدى المجدي لهذه المنظومات وانسحابها في ثوان من المجال الجوي السوري ..ومع هذا فان القيادة السورية وضعت في اعتباراتها كل الاحتمالات وهي لن تتصرف بسذاجة بشأن حماية هدف ورمز سيادي وطني سيكون أول هدف لأي اعتداء ..
وهناك تفسير لايبدو ذا قبول كبير ولكنه يتسلح ببراهين سابقة .. فهو يقول ان الغارة قد تكون لاختبار حصولها على شيفرة الدفاعات الجوية السورية من قبل المعارضة السورية وكذلك لمعرفة صحة مايقال عن وجود تكنولوجيا دفاعية خاصة وصلت حديثا الى الدفاعات الجوية السورية وتريد اسرائيل التأكد من وجودها بارسال الطعم الجوي .. فاذا انطلقت الصواريخ الجديدة فهذا يعني أن على اسرائيل أن تتحضر لها في معركة محتملة يخشى ان تنفجر لأي سبب قريبا.. ويستدل صاحب هذا الرأي على تجربة مماثلة قبيل عام 1973 عندما وصلت تقارير سرية لاسرائيل عن نشر شبكة دفاع جوي من طراز سام على الساحل السوري .. فأرسلت اسرائيل 60 طائرة أغارت على المنطقة .. وكان ضباط الدفاع الجوي السوري يطلبون من القيادة السماح باطلاق الصواريخ لكن الاوامر الحاسمة كانت عدم اطلاق أي صاروخ مهما كان عنف القصف .. واكتفت القيادة بارسال 12 طائرة مقاتلة لابعاد الاسرائيليين .. واستنتجت اسرائيل يومها ان ليس في سورية شبكة دفاع جوي ذات شأن والا لاستخدمتها في رد غارات عنيفة .. ولكن بعد أسابيع قليلة اندلعت حرب تشرين وفوجئت اسرائيل بالسلاح السري الصاروخي الذي أسقط في يوم واحد 93 طائرة اسرائيلية ..
وفي تفسير آخر فان الغارة الاسرائيلية تبدو للبعض ردة فعل نزقة وعصبية بسبب حساسية بعض المعلومات التي تتحدث عن اسر مجموعة اتصال اسرائيلية في داريا (تنسيقية اسرائيل في الثورة السورية) وتم الربط بين عودة ايهود باراك المفاجئة من دافوس منذ يومين ورسالة نتنياهو العاجلة الى موسكو التي قيل انها هددت بالحرب بسبب القاء القبض في داريا على مجموعة التنسيق الاستخباراتية الاسرائيلية والتي يقال ان ما نقل عن الرئيس الأسد باظهار الانجازات العسكرية كان منها احتمال الاعلان عن الأسرى الاسرائيليين الذين لم يقم الاعلام العسكري الاسرائيلي بنفي مزاعم الشائعات والأخبار كما العادة.. وهي ستكون محرجة جدا للحكومة الاسرائيلية داخليا وخارجيا .. وغارة جمرايا هي جرس انذار حقيقي بجدية التهديد الاسرائيلي وقدرات الجيش الاسرائيلي الذي بحسب رسالة جمرايا قادر متى أشاء على الوصول والحاق العقاب بالقيادة السورية في دمشق..
ولكن ماهو رد القيادة السورية؟
عند الحديث مع العسكريين تحس بالراحة لأن العسكري يعترف بالنقاط التي خسرها ليعدد لك النقاط التي كسبها وهو من ضمن ثقافة العقائد العسكرية .. فتجاهل نقاط الضعف والتقليل منها هو مدخل الى الهزيمة والتركيز عليها هو مدخل حاسم للنصر .. والعسكريون لايرون في التطاول الاسرائيلي مجرد مداعبة ومغامرة متهورة أو مزاحا ثقيلا .. بل هو خرق عسكري بالمصطلح القتالي وان كان محدودا .. ولكن ما يطمئن والأكثر راحة هو كم الثقة بالنفس التي تستشعرها من العسكريين .. والشرح بأن طبيعة الخرق كما وصفت ضيقة للغاية والعمق الذي تم فيه ليس مهما لولا أنه اقترب من دمشق .. وكل كيلو متر اقتراب من دمشق يعني عشرة كيلومترات في مدينة أخرى .. لأن دمشق قريبة جدا من حدود الاحتكاك وخاصة الجوي .. ولأن حصتها من الدفاع الجوي ربما هي الأكثف لأسباب مفهومة .. لكن ..وبسبب موقع دمشق القريب جدا من الحدود وسرعة الاقتراب منها فان عملية حصول مثل هذا الاقتراب الخاطف تبقى متوقعة عسكريا .. لكن التوغل في أعمق من هذه النقاط هو ما يعني الخطر من وجود نقطة رادار عمياء خطرة وطويلة الامتداد .. وهو م ايستبعده العسكريون .. ويعملون دوما على مراجعته ..ويصرون على أن النقطة العمياء ان وجدت لاتزال محدودة ..وهو المدى الذي بقيت فيه الطائرات لثوان فقط..
ومع هذا فان الكل مجمع على أن القيادة السورية لايجب أن تلزم الصمت ولاضبط النفس لأن لديها الروادع التي لجمتها طويلا الديبلوماسية ووسطاء العرب ومن سمي حكماؤهم ووسطاء أردوغان .. وأن عليها اللجوء الى مجموعة الخيارات الموضوعة دوما كرد على احتمال سيناريو غارة وانتهاك جوي أو عسكري للأرض السورية .. في قيادة الأركان السورية تصنف مجموعة الردود العسكرية الى محدود ومتوسط وشديد .. والرد الشديد هو عادة حالة اعلان الحرب الشاملة على كل قطاعات العدو العسكرية والمدنية والاقتصادية ..أما المتوسط فخياراته هي في ايلام العدو عسكريا فقط .. والرد المحدود هو في استهداف أهداف لها طابع معنوي بحت ..
وبالرغم من انه لايمكن التنبؤ بما ستقوم به القيادة السورية فانه يكاد يكون هناك اتفاق ملفت للنظر ان القيادة السورية حسمت أمرها وقررت سلفا الرد على العدوان المحدود الاسرائيلي برد يتجاوز المتوسط كي تكون الرسالة حاسمة بأن الجيش السوري في هذه الأزمة بالذات ليس مستعدا لاظهار التفهم وممارسة الردود المحدودة بل أن الرد الشديد خيار مطروح لمن أراده ..
وانا لااعرف كيف ستقدر القيادة السورية الموقف فلديها معطيات لا تتاح دوما ليطلع عليها المهتمون .. ولن أرد بانفعال ولن استجيب لضوابط الحكمة وضبط النفس لأنني أرى أنه يجب على القيادة السورية أن ترد لأن ردها رسالة الى المسلحين قبل غيرهم فهم أصدقاء وأبناء يهوذا من الحاخامات الاسلاميين ومفاد الرد أن الارهابي الأكبر وكبير الارهابيين اسرائيل ليس كبيرا وليس فوق العقاب ..
وأنا أتوقع في حال رد فعل اسرائيل بالحرب علينا أن تصل غارات اسرائيل الى دمشق كما في أي حرب مع قوة عسكرية غربية ولكن من سيمنع صواريخنا عن تل أبيب وعن كل اسرائيل من رأسها حتى أخمص قدميها وفي أصغر ثناياها؟ واسرائيل وان سيطرت على السماء فلن تعرف من اين ستثب الصواريخ اليها .. خاصة اذا ما قام حزب الله بالدخول في المعركة .. والسيد حسن نصرالله ليس خالد مشعل بالطبع .. وحسن نصرالله هو قائد فرقة عسكرية "سورية" بقيت في لبنان .. بيينما كان خالد مشعل قائد فرقة من المرتزقة حوّل مقاتلي حماس الأحرار بالتدريج الى مرتزقة يقاتلون في سورية ويعملون في تركيا وقطر كحراس وأخيرا نقلهم الى مصر لدعم ثورة محمد مرسي وتكليفهم بحماية مقرات الاخوان المسلمين حيث انتقل الآلاف من عناصره الى مصر لهذه الغاية حيث تدفع لهم قطر مرتبات الحراسة مثلما تدفع مرتبات عناصر شركة بلاكووتر.. وصار اسم حماس هو "بلاك حماس" ..أو حماس السوداء..
الى جهنم وبئس المصير
وممن يخشى من مشاركة تركيا فان تركيا لاتستطيع خوض الحرب لأن ايران ستخوضها مباشرة ..والأتراك يعرفون ذلك ..وأيديهم مربوطة بسلاسل الجغرافيا القوية ..
الحرب شؤم عموما .. ولكنها اليوم الحرب التي ستطرد الشؤم والمتشائمين .. ان اندلعت مهما كانت تكلفتها فان مكاسبها لاتقدر بثمن .. لأن ليس مدننا من سيحترق بل مدن اسرائيل أيضا وآمال المعارضة السورية وجبهة النصرة .. ومن سيقتل في اسرائيل هو كل من يدعم جبهة النصرة .. ان قيادة جبهة النصرة والاخوان المسلمين هي في اسرائيل وذراعها في حلب ..
أوبعد كل هذا ألا تريدون مني أن أتشهى الحرب وأشتهيها كمن "يتشهى وجه من عشقا".. وأن أصلي لا لمنع الحرب بل لاشتعال الحرب .. ومن قال ان الحرب لاتطفئ الحرب؟؟ .. فهل أنتم مستعدون للحرب؟؟
شهيتي مفتوحة للحرب بعد أن فقدت شهيتي للبكاء .. فهل فقدتم مثلي الشهية للبكاء؟؟ .. وهل جفت دماؤكم في عروقكم وصارت بارودا؟؟ وهل تسمعون أن ضربات قلوبكم صارت تكات قنبلة موقوتة ؟؟
وهل ستنادون معي: يااله الحرب .. انهض.. انهض..انهض
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment