المتفندقون والمتخندقون في خطاب الأسد
الإثنين، 07 كانون الثاني، 2013
أوقات الشام
ساميةٌ جداُ تلك الزاوية التي أطل منها الرئيس الأسد على جحيم طعنات الغدر ،عندما قال أن فلسطين قضيتنا وأن مصير السوري والفلسطيني واحد بحكم إمتزاج الدم بالدم، وأن من ظنناه متخندقاً في دمشق المقاومة تبيَّن أنه كان متفندقاً فيها، وفكرة التفندق هذه هي التفسير المنطقي للبحث عن الراحة والدِّعة، فدائماً ما تتوق النفوس الباحثة عن الفنادق للخمسة نجوم،والطيران المُفضل،حتى لو كان التفريط ثمناً،بعكس النفوس المتخندقة التي تبحث عن الحق والحقوق حتى لو كان شظف العيش هو الثمن.
من أحد دعائم الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على المنطقة بهدف تقسيمها وتفتيتها، دعامة التسعير المذهبي ،السُني الشيعي تحديداُ، فاستغلت من خلال بعض الأنظمة المتزينة بحجريتها والمتبرجة بزيتها،بعض الأحداث التاريخية والإختلافات الفقهية، وجعلت منها قضية مركزية ضللت الناس وأعمتهم عن مصيرهم وحقيقة عدوهم، وتم التركيز على فكرة الهلال الشيعي الممتد من طهران وصولاُ إلى بيروت مروراً بدمشق ،ومحاولة شيطنته من خلال الإيهام بأنه عدو للسُنة وأنه يحاول تشييع المنطقة وتفريسها تحت ستار المقاومة والممانعة، ولكن الأزمة كانت أن أحد أضلاع هذا المربع كان سُنياً متمثلاً بحركة حماس،وهذه بالضبط هي الفكرة التي إعتقدها خالد مشعل فرصة، وكما نوَّه الأسد في خطابه لاقتناص الفرص.
فحماس المشعلية بنَّت استراتيجيتها على هذه الفرصة المتناغمة مع مفرزات (الربيع العربي) الذي أوصل التيار المتأسلم للسلطة متمثلاً بالإخوان المسلمين، وأن هذا الوصول سيؤمن لها المرتع المفقود في دول الربيع،ولكن بما أن حماس المشعلية ليست حركة مريخية في زيارة سياحية لكوكبنا، فهي تعرف أن ذاك المحور هو محور العداء لـ(إسرائيل ) وليس محور التشييع والتفريس، وأن خروجها من ذلك المحور هو تسليم بنظرية الحياة مفاوضات، وأن مقرها الجديد في قطر لن يكون منطلقاً لتحرير فلسطين،وأن إصطفافها الجديد هو مرهون بالتعامل مع الشرعية الدولية(حق إسرائيل في الوجود) ومرهون بالشرعية العربية(مبادرة السلام العربية التفريطية)ومرهون بالشرعية الفلسطينية( إعتراف منظمة التحرير بإسرائيل)، وكلها شرعيات كانت تعاديها حماس المشعلية باقتدار، وذلك بفضل الدعم المالي والتسليحي واللوجستي الذي قدمه لها ذاك المحور.
وحتى في حرب غزة الأخيرة تم التركيز على الدور المصري ونسبة الإنجازات التي حققتها الصواريخ الإيرانية والسورية لدولة الإخوان في مصر، في محاولة ممجوجة وفاضحة لاستبعاد الدور الإيراني والتأثير عليه، واستبداله بدور مصري تركي،ولكن جاءت النتائج مخيبة للآمال، فإيران العقائدية مازالت تحتضن حماس تسليحاً وتمويلاً، ويبدو أن عقائدية إيران في العداء لـ(إسرائيل) أصبحت عبئاً على حماس المشعلية، فقد توقع مشعل أن يمتنع ذاك المحور عن دعمه فيضرب عصفورين بحجر، يتخلص من عبئ المقاومة ويُعبد طريق التفاوض أولاً ثم يُهدي محوره الجديد سلاحاً جديداً لمهاجمة محوره القديم بأن محور الشيعة منع الدعم عن حركة المقاومة السُنية،
ولكن خاب فأله، وزاده خطاب الأسد ضربة أخرى على رأس غروره،عندما ميَّز بين من تفندق ومن تخندق، وأنك أيها المتفندق لست فلسطين،إنما أنت مجرد متخاذل آخر على طريق التحرير الشاق والطويل.
بطهرٍ سامٍ بلسم الأسد جراح سوريا المغدورة،ونزع حماس المشعلية وغدرتها الشائنة من وجه فلسطين الناصع،لتظل فلسطين هي البوصلة وهي النور لمن أراد هداية،وهي الشعلة التي تُذكي نار العزة، ولكن حماس المشعلية تيقنت بعد خطاب الأسد بأن الربيع الأمريكي تحت يافطة الإسلام هو الحل قد أصبح خريفاً في سوريا، وأنه لن يُزهر أخونةً ولا تقسيماً ولا تفتيتاً ولا معاهدات صلحٍ واستسلام تحت ستار وإن جنحوا للسلم فاجنح،وأن سوريا القادرة والقوية هي التي سترسم الخرائط الجديدة وتوزع الأدوار الجديدة، كما وزع الأسد المنتصر المهام في خطابه،ولكن هذا التيقن لن يجدي حماس نفعاً ولن يوفر لها أي خط للتراجع والرجوع، فقبل دخول الأسد للقاعة كانت الفرصة الأخيرة وقد ضاعت للأبد وضاعت معها حماس المشعلية، ولكن بقيت فلسطين وستظل.
بانوراما الشرق الاوسط
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment