ما لم يقُله نصرالله : 7 أيّار سوريّ ؟
الخميس، 30 أيار، 2013
أوقات الشام
في الجدل القائم حول تدخّل “حزب الله” في معركة القصير يغيب أحياناً كثيرة المشهد الاستراتيجي الحقيقي لهذا التدخّل. فعلى المستوى السياسي اللبناني ما زال الجدل دائراً حول مَن تدخّل قبل الآخر في سوريا «حزب الله» أم معارضوه؟ وهل إنّ أكثر من سنتين أرسل فريق لبنانيّ معيّن خلالهما الرجال والسلاح والمال والأجهزة المتطوّرة إلى المعارضة يتمّ إغفاله وتركيز الاتّهامات على الحزب الذي تربطه بالقيادة السورية التزامات أخلاقية فضلاً عن الرؤية الاستراتيجية المشتركة إزاء ما يجري في المنطقة؟.
ويشير مراقبون إلى أنّ “حزب الله” في مجاهرته بالمشاركة في هذه الحرب إنّما كان يسعى الى تأكيد ثلاثة أمور:
الأوّل، أنّه لا يُخفي ما يقوم به، فحين يُقاتل في جبهة معينة يُعلن ذلك، وحين يسقط له شهيد في معركة هنا أو هناك يُفاخر باستشهاده ويودّعه بما يليق بالشهداء. فصدقيّة الحزب، في نظر هؤلاء المراقبين، هي جزء رئيسي من قوّته وهيبته، بل ومن سطوته على أعدائه، وهو غير مستعدّ للتفريط بهذه الصدقية.
الثاني، قدّم “حزب الله” نفسه في هذه المعركة أنّه لا يدافع عن سوريا فقط، وإنّما عن لبنان والمنطقة نفسها، بل يدافع أيضاً عن نمط الحياة فيها، وهو نمط يقوم على العيش الواحد بين مكوّنات مجتمعاتها، وبين إصرارها على مزج تمسّكها بتراثها الروحي ومعتقداتها الدينية وبين مواكبة روح العصر والانفتاح عليها. وهنا، حسب المراقبين، سيتمكّن الحزب من حشد تأييد قوى كثيرة، ليست بالضرورة من بيئته المعتقدية والاجتماعية، بل إنّه يقود جبهة تضمّ جميع المتضرّرين من سيطرة التطرّف والتشدّد والاستبداد الفئوي.
والأمر الثالث الذي يعتقد المراقبون أنّه وراء قرار “حزب الله” المشاركة في المعركة والمجاهرة بها، إنّما مردُّه أيضاً إلى أنّه يدافع عن نفسه في القصير وعن خطوط إمداده، وعن قواعده الخلفية التي استهدفتها إسرائيل مراراً، خصوصاً خلال حرب تمّوز 2006. فـ”حزب الله”، حسب بعض المحلّلين الاستراتيجيين، قد يتساهل في أمور كثيرة، لكنّه لا يستطيع التساهل في ما يمسّ قدراته اللوجستية والعسكرية ويحدّ من تناميها.
ويربط هؤلاء بين اضطرار الحزب الى القيام بما قام به في 7 أيّار 2008 لحماية شبكة اتصالاته وبين ما يقوم به اليوم في القصير وغيرها لحماية شبكة مواصلاته وإمداده. فالحزب يدرك أنّ الاستهداف الحقيقي لمخزون الأسلحة المرسل إليه من سوريا وعبرها، ليس في الضربات الإسرائيلية الجوّية التي طاولت بين كانون الثاني الماضي وأيّار الحالي مراكز في محيط دمشق، وإنّما في قطع طريق القصير أمام الإمدادات التي تصله. ويلاحظ المراقبون مدى الانزعاج الإسرائيلي من التقدّم الميداني الذي حقّقه “حزب الله” والجيش السوري في القصير وريفها. فقد كان العسكريّون الاسرائيليون يعتقدون أنّهم حقّقوا أحد أهدافهم الاستراتيجية عبر إغلاق ممر رئيسي لأسلحة المقاومة من سوريا إلى لبنان، فجاءت معركة القصير لتقلب حساباتهم رأساً على عقب. ولقد تجلّى هذا الانزعاج الاسرائيلي واضحاً في تقرير نشره أمس موقع “دبكا” الوثيق الصلة بالموساد الاسرائيلي، وحذّر بلسان مسؤولين عسكريين إسرائيليين كبار من مغبّة توسّع التدخّل العسكري الروسي والايراني والعراقي في سوريا، ووجد فيه تهديداً استراتيجيّاً لإسرائيل بوصول هذه القوى جميعاً إلى مناطق قريبة منها.
ولم يكتفِ “دبكا” بإطلاق التحذيرات، بل وجّه انتقاداً جديداً لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين بسبب تقاعسهم في العمل لإسقاط النظام السوري. وأشار إلى تدفّق المساعدات العسكرية الروسية الى سوريا بما يحقّق انقلاباً في موازين القوى على عكس ما تدّعي موسكو بأنّها تريد تحقيق التوازن في سوريا. واعتبر أنّ تزويد سوريا صواريخ “إس ـ 300″ الروسية سيحول عمليّاً دون فرض مناطق حظر جوّي يطالب بها بعض المعارضة السورية الخارجية وحلفاؤها الإقليميون. فمع هذه الصواريخ لن يستطيع الطيران الإسرائيلي العربدة في السماء السورية، ولا طيران “الأطلسي” تكرار التجربة الليبية التي ما زالت موسكو تكتوي بنارها.
فهل هذه المعطيات تصبّ في ما يسمّيه الديبلوماسيون جمع أوراق عشية مفاوضات منتظرة في إطار “جنيف ـ 2″؟ أم أنّنا أمام استعدادات فعلية لحرب تشمل المنطقة وتغيّر خريطتها ودورها الجيوستراتيجي؟
ما يؤشّر إلى احتمالات التسوية هو الارتباك الواضح في علاقات المعارضة السورية بعضها ببعض، وكذلك في العلاقات بين القوى الداعمة لها، إذ لا يستطيع أحد نكران أنّ ما تشهده اجتماعات الائتلاف السوري في اسطنبول، هو امتداد لنزاعات محتدمة بين الحلفاء الإقليميين أنفسهم حول قيادة المنطقة ودور كلّ منهم في مستقبلها.
قد تبدو في الجدل اللبناني مجاهرة “حزب الله” بتدخّله في سوريا مفيدة للبعض لتسجيل النقاط عليه، ولكن، في المنظور الاستراتيجي، فإنّ معظم المراقبين يدركون أنّ الحزب قد سار في خيار لا يمكنه السير خارجه، وإنّ ما فُرِض عليه اليوم من معركة، شبيه بما فُرِض عليه من حروب سابقة.
الجمهورية
No comments:
Post a Comment