Thursday, 18 April 2013

The Big decision: two crucial months in the Levant


القرار الكبير: شهران حاسمان في بلاد الشام



الخميس‏، 18‏ نيسان‏، 2013
أوقات الشام
ليس هو قرار بالحسم العسكري النهائي، جرى اتخاذه على أعلى مستوى داخل الدولة السورية. فهذا القرار لا يبدو قريباّ ولا مجدْوَلاً للأسابيع القليلة القادمة. إلا أن ثمة قرار كبير لا شك جرى اتخاذه بشأن تبديل "ستاتيكو المراوحة" الحالي لقلب الأمور إلى صالح الدولة السورية في الميدان، وذلك خلال فترة زمنية حدودها الصيف المقبل. وهذا ما يفسّر تحوّل الجيش السوري من تكتيكات المشاغلة بالنار لمسلحي المعارضة والاكتفاء بتطويق جيوبهم التي تغلغلوا إليها، إلى أسلوب الهجمات الصاعقة السريعة والمدمرة، سواء في جميع مناطق الغوطة الدمشقية ومختلف أرجاء ريف العاصمة، أو أبعد من ذلك باتجاه الحدود الشرقية والغربية والشمالية مع كلٍ من الأردن وتركيا ولبنان، وكل ذلك وفق تفاهم على التفاصيل مع الحلفاء ولا سيما منهم الروس والإيرانيين.

ويسود الاعتقاد أن أحد أسباب التطوّر المستجدّ في موقف دمشق بهذا الإتجاه، ناجم عن تمادي الإدارة الأميركية في مسلكها الزئبقي المتذبذب حيال الأزمة السورية. فلو جمعنا مختلف التصريحات والمواقف التي أطلقتها إدارة أوباما في هذا الصدد خلال الأشهر القليلة المنصرمة، لتجمّع لدينا كمّ كبير من التناقضات والمواقف الملتبسة، ما بين بيانات حمائمية تنادي بحل سلمي تفاوضي لإخماد الحريق السوري، من جهة، ومواقف صقورية مناقضة تماماً من جهة أخرى، يواصل عبرها الأميركي إعداد "الجهاديين المرتزقة" في الأردن وغير الأردن، ويمضي قدماً في دعم المسلحين المقاتلين على الأرض السورية عبر الحدود والأدوات التركية، كما لا يني عن مواصلة تشجيع حلفائه الغربيين من فرنسيين وإنكليز وسواهم لبذل ما في وسعهم في سبيل كسر الدولة السورية، ناهيك عن إطلاق واشنطن أيدي نواطير مشيخات النفط الخليجية ليموّلوا كل ذلك فيفرشوا بالمال والسلاح والعتاد دروب التهريب عبر مختلف الحدود السورية، ويدفعوا أثمان استقدام أفواج المرتزقة من شتى أنحاءالعالم.

يأتي ذلك كله في إطار مواصلة أوباما وإدارته تحريك واستثمار حصان طروادة المسمى بالربيع العربي لإسقاط الحكومات العربية المناهضة للسياسة الأميركية- الإسرائيلية، وإكراه الدولة السورية بعد أن وصلتها الموسى، على الشرب من الكأس ذاتها التي شربت منها ليبيا، فيتم لواشنطن كسر حلقة المقاومة والممانعة والإنقضاض من خلال كل ذلك على المصالح الروسية في المياه الدافئة.

ويشير السياق المنطقي للأمور إلى أن الإدارة السورية، وأمام هذا الواقع الذي لم تعد تفاصيله خافية، رأت ضرورة الإقدام على كسر المسلسل وإحداث تبديل نوعي في مسار الحرب، ولا سيما في ظل عمليات التحشيد المعادي باتجاه العاصمة دمشق وارتفاع نبرة التهديدات بمهاجمتها في سبيل إسقاط الدولة. ومن الطبيعي أن يقتضي ذلك توجيه ضربات نوعية ساحقة أولاً ضد المسلحين في نواحي محيط دمشق القريب والبعيد، بُغية تحطيم تشكيلاتهم العسكرية لتعطيل فعاليتها وجدواها ورفع تهديدها عن العاصمة، وهو الأمر الذي باشرته قوات الجيش النظامي وما انفكت تواصله بعزم واضح في أرجاء الغوطة كافة ومختلف مناطق ريف العاصمة، مترافقاً ذلك مع ضرب التجمعات التي "تتغذّى" عبر الحدود مع كلٍ من الأردن وتركيا ولبنان والقضاء على تحشداتها.

ولكي يكون بإمكان دمشق أن تستثمر على طاولة التفاوض أية إنجازات عسكرية تنجح في تحقيقها على الأرض، ينبغي أن تكون هناك حدود زمنية لهذا الزخم الهجومي المتصاعد، وهي، أي الحدود، تقع على ما يبدو في أوائل الصيف المقبل كما سبقت الإشارة، وتحديداً على أبواب لقاء القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما في إيرلندا الشمالية، على هامش قمة الثماني التي ستُعقد هناك أواخر حزيران المقبل.

وفي هذا السياق كان "يوري أوشاكوف" مساعد الرئيس بوتين، صرّح حديثاً أنه "من المقرر أن يجري الرئيسان الروسي والأميركي محادثات كاملة الإطار خلال انعقاد قمة ايرلندا الشمالية للثماني الكبار في نهاية حزيران". وأشار أوشاكوف إلى أن جدول أعمال بوتين يتضمن لقاءً خاصاً مع أوباما، للتباحث في القضايا الحساسة التي تهمّ البلدين (من دون أن يذكر سورية تحديداً على الرغم من أنها المقصودة في القضايا التي وصفها بالحساسة).

ويبدو أن هذه القمة المرتقبة ستكون تتويجاً لمرحلة شاقة من التواصل الروسي-الأميركي من خلال ما يمكننا تسميته بـ "الرسائل الموقعّة في الميدان"، والتي اشتملت على جملة من "الإنتصارات والهزائم" لكلا الطرفين، سواء في العراق أم في إيران أم في سورية. ومن الإنصاف القول إن معظمها في البلدين الأولين كان من نوع الهزائم التي نزلت بالأميركي وتمثّلت بخروجه الذليل من العراق، وبعجزه عن تعطيل اليد الفاعلة الإيرانية، لا على مستوى التكنولوجيا النووية السلمية في الداخل ولا على مستوى الشرق الأوسط وقضاياه الحارة ومياهه الدافئة. ومن هنا كان "الربيع العربي" لعبة شيطانية أميركية انتقلت واشنطن ومعسكرها بها من الدفاع إلى الهجوم، فحققت إنجازات في كلٍ من تونس وليبيا ومصر (باعتبار أن الدول العربية الثلاث باتت على الأقل محيّدة عن أيّ صراع مع العدو الإسرائيلي)، متوقعة لإنجازاتها أن تتواصل على طريقة الدومينو لتكتسح سورية ومختلف البلاد العربية التي هي خارج الجيب الأميركية. وهذا ما يقدّم تفسيراً يبدو منطقياً للإصرار الروسي على مساندة الدولة السورية أمام الهجمة، بعد أن اتضح المشهد تماماً أمام موسكو التي نهشت أصابعها ندماً على سكوتها عمّا تعرّضت له ليبيا، فقررت منع تكرار الخدعة ذاتها ضدّ سورية خصوصاً وأنها باتت مرتكزها الأساسي في منطقة شرقي المتوسط. لذا جاءت الرسائل الروسية الأخيرة بعناوين صارمة لا لُبس فيها، ولا سيما منها ما يتصل بالمناورات الواسعة وغير المتوقعة التي أمر بها بوتين (مستعجلاً) وهو على متن طائرته أثناء رحلتها من مدينة دوربان الجنوب أفريقية حيث عُقدت قمة مجموعة دول "بريكس"، إلى موسكو، وهي المناورات التي وصفها الناطق الرسمي الروسي بـ "المفاجئة" ، والتي "لم يُحط وزير الدفاع علماً مسبقاً بها". وقد جاءت في إطار تشديد الروس على جاهزيتهم لمساندة الدولة السورية، بعد أن ارتفعت لهجة العداء الغربية ضدّ دمشق وعلا الصوت من غير عاصمة أوروبية منادياً بضربات جوية ضد بعض قطعات الجيش السوري. وفور اختتام تلك المناورات، جرى سحب أسطول المحيط الهادي (الروسي) إلى المتوسط ونشره قبالة السواحل السورية تحديداً ، في إشارة تأكيد إضافية على الدعم الروسي الثابت للدولة السورية، والنظر بعين الرضا إلى حركة الجيش النظامي المستجدة لقلب الأوضاع في الميدان لصالح السلطة والنظام العام.

ويعني ذلك من جملة ما يعنيه أن وتيرة الهجمات النظامية ستشهد ارتفاعاً استثنائياً خلال شهري نيسان وأيار وحتى أواسط حزيران. وهذه مدة زمنية تعتبر كافية لاستكمال خطة "السحق والتطهير" ضد مسلحي المعارضة إذا سارت الأمور كما تخطط له القوات النظامية.

وبناء على ذلك لا بد من توقع أمرين متلازمين خلال الأيام والأسابيع التي تفصلنا عن أواخر حزيران: المزيد من الشدّة في تعامل الجيش السوري مع المسلحين، والمزيد من تسرّب الهاربين منهم والمثخنين بالجراح إلى الملاذات والمستشفيات المقامة عنوة على الأراضي اللبنانية، ما سيفرغ عبارة "النأي بالنفس" من آخر ما تركه فيها مسلك حكومة ميقاتي من معنى، ويرفع أمام السلطات اللبنانية تحديات جديدة غير مسبوقة لا يعلم إلا الله كيف ستجري معالجتها. فمع تيقّن جماعات المسلحين والمرتزقة على الأراضي السورية من الاقتراب الواقعي لنهايتهم، تحت غائلة التدمير الممنهج الذي ينفذه الجيش العربي السوري ضد معاقلهم وتجمعاتهم، سيتحول هدفهم من مواجهة الدولة السورية التي أعملت السيف في رقابهم، إلى محاولة تشتيت العزم العسكري للقوات النظامية بإخراج الحرب من مساراتها الراهنة وتوسيع بيكارها نحو أراضي الدول المجاورة. وتعتبر الأراضي اللبنانية هدف هؤلاء المسلحين المفضّل (وهذا ما ابتدأ بالفعل من خلال القصف الصاروخي القاتل على بلدات في منطقة الهرمل) بالنظر إلى توفر البيئة الحاضنة ومعسكرات التدريب والملاذات الآمنة التي يمولها خليجيون ويديرها ضباط أميركيون وغير أميركيين فوق الاراضي اللبنانية.

وهذه ستكون مرحلة أخرى وتحديات جديدة أمام اللبنانيين ينبغي الاستعداد لها على مختلف المستويات ولا سيما العسكرية والإغاثية منها.

وكيفما دار الأمر فسيدخل البلد في متاهة جديدة تحتاج إلى أكثر بكثير من مجرّد حكومة انتخابات أو محايدين(!)، إذ ستبلغ تداعيات الأزمة السورية على لبنان إحدى ذرواتها المُقلقة، ، ما يتطلّب بالضرورة حكومة سياسية حقيقية التمثيل تكون قادرة على الفعل لمواجهة مفاعيل كل ذلك، إلى احتمالات تحرّك الخلايا النائمة لـ"القاعدة" في لبنان، فضلاً عن إمكانية حصول عدوان إسرائيلي.

ذلك أن كسر ظهر المعارضة السورية المسلحة، إذا حصل، لن يمرّ بسلام على بلد يسيل فيه مال حرام كثيف برائحة المازوت البترول البشعة. ولا جدوى من كل التطمينات التي ينقلها الإعلام عنهم. فالحية تغيّر جلدها وليس طبعها.
سلاب نيوز
River to Sea Uprooted Palestinian  
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!

No comments: