عندما ينتقل «السيد» إلى ملعب الكبار
الجمعة، 10 أيار، 2013
أوقات الشام
علي شهاب
لا تخرج أي مقاتلة حربية إسرائيلية في مهمة قتالية قبل أن تكون المعطيات الاستخبارية مكتملة مسبقا. الهدف الذي قُصف في سوريا كان مهما على ما يبدو. لكن السيد حسن نصر الله حولّ التهديد الى فرصة بامتياز. وقفت معظم التحليلات عند أحد احتمالين: الرد او عدم الرد، غير أن «السيد» ابتكر ردا من خارج الحسابات الإسرائيلية.
أولا، إنّ السلاح الكاسر للتوازن بحسب مصطلحات اسرائيل في السنوات الأخيرة يتراوح حتى الآن ما بين أنواع محددة من صواريخ ارض ارض الى أسلحة دفاع جوي فأسلحة كيميائية.
استبعد «السيد» نفسه السلاح الكيميائي لاعتبارات شرعية في ما مضى. يبقى امام اسرائيل حتى الآن أحد احتمالين: صواريخ نوعية او اسلحة دفاع جوي.
وبما ان حيازة صواريخ ارض أرض ابعد مدى او أشد تدميرا حاليا، لن تغير كثيرا في النتيجة النهائية لأي مواجهة مفترضة مقارنة بتلك الموجودة بحوزة المقاومة حاليا، فإن الاحتمال الاكثر ترجيحا هو حيازة سلاح دفاع جوي.
يُعتبر هذا السلاح كاسرا للتوازن لأن من شأنه تحييد جميع الطائرات على علو منخفض الى متوسط؛ أي الطائرات من دون طيار والمروحيات العسكرية فضلا عن المقاتلات الحربية في لحظة اغارتها على الهدف في المرحلة الأخيرة من التحليق.
في أي مواجهة مقبلة ستكون للمواجهة البرية والالتحام المباشر الأهمية القصوى لما لها من دور في حسم نتيجة الحرب، وبالتالي فإن تحييد المروحيات والطائرات من دون طيار بالحد الأدنى ومنعها من تقديم عمليات دعم ومساندة للقوات البرية يخلقان اشكالية كبيرة لجيش اسرائيل الذي يتدرب منذ سنوات على عمليات متشابكة الأذرع (أي يدمج عمليات جميع اذرعه العسكرية في البر والبحر والجو ويتشارك المعلومات بينها بهدف تأمين فعالية قتالية أعلى).
بهذا المعنى ليس المطلوب ان يكون بحوزة «حزب الله» منظومات دفاع جوي كتلك الموجودة بحوزة الجيوش الكلاسيكية. يكفي حيازة أصناف أكثر عملانية من هذا السلاح لتفي بالغرض في أي مواجهة وتصبح كاسرة لتوازن الردع.
ثانيا، إن الإشادة بموقف البرلمان الأردني تجاه السفير الاسرائيلي في الأردن هي استكمال للخطوة الايرانية الأخيرة بإرسال وزير الخارجية علي أكبر صالحي الى عمان والرسالة الواضحة التي حملها ما بين التحذير والترغيب. التحرك باتجاه الأردن سببه الاطمئنان الى جوار سوريا في لبنان والعراق، لكن الخشية هي من عمل ما انطلاقا من الأردن وتركيا.
ثالثا، حول «السيد» ورقة الجولان من ورقة ضعف الى ورقة قوة وساحة لمقاومته، وهو بذلك، نجح في فتح ثغرة اضافية في جدار الكلام عن دوره التاريخي في سوريا، باعتباره حليفا استراتيجيا. ولن تبقى هذه الورقة سيفا مصلتا على الحزب بعد الآن، بعد ان كسر خطابا «السيد» الأخيران هذا المُحرّم بخطاب سياسي بامتياز بعيد عن أي لغة مذهبية او طائفية.
كان الرئيس رفيق الحريري ذكيا جدا في التعرف الى العوامل المؤثرة في بناء ثقافة هذا الحزب فاستطاع كسب ثقة قيادة الحزب في سنوات حياته الأخيرة. وعلى الرغم من رفعه شعارات دينية وانطلاقه من موروثات قد لا تكون مفهومة او محل تآلف لدى الكثيرين، فلا يمكن لأعدى أعداء «حزب الله» مقارنته موضوعيا بالجماعات التكفيرية في السلوك والخطاب، بل يلتقي الكثير من الدراسات الغربية في التركيز على «البراغماتية» الفكرية وتطور الاجتهاد الديني عند «حزب الله» بغض النظر عن أهداف هذه الدراسات.
رابعا، هناك تحول «جوهري» في خطاب المقاومة باتجاه هجومي منذ بدء الأزمة في سوريا.
خامسا، يُظهر خطاب «السيد» تنسيقا كاملا مع طهران وموسكو ودمشق.
بات هذا المحور منذ الانسحاب الأميركي من العراق أمام واقع مفروض عليه: يتجه العالم نحو تعددية قطبية ولا مكان للضعفاء.
تعي روسيا ذلك. وتعي الصين ذلك. بل تعي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ذلك الى حد كبير. لكن بعض العرب ومعهم الأتراك، لا يودون الا المكابرة على خلفية أحقاد شخصية.
خطاب الأمس كان الخطوة «العلنية» الأولى على سلم الانتقال الى اللعب مع الكبار.
انقلب السحر على الساحر، فردّ «السيد» على الهدف الذي سجلته اسرائيل بغارتها، بثلاثة أهداف مقابلة: الجولان، السلاح الكاسر للتوازن، واحتفظ بالهدف الثالث لنفسه؛ أي الرد بالتوقيت والزمن والشكل المناسب.
السفير
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment