الخميس، 09 أيار، 2013
أوقات الشام
فراس ديب
”عندما أرفع سيفي لكي أُقاتل عليَّ أن لا أُفكِّر بمن سيموت، عليَّ أن أُفكِّر بمن سيعيش” جملةٌ أشبهَ بميزانٍ نقيس فيه المسافة بين الرغبة والواقع، بين إرادة الانتصار والصبر حتى تحقيقه.
اشتعل قاسيون بنيرانِ الغضب الصهيوني، فأطفأتهُ رغبةَ (ثالوثٍ مقدس) بالعبور نحو انتصارٍ سيكتبه التاريخ بحروفٍ من نور. اشتعل قاسيون فانتفض الشعب ليقول: إن قاسيونَ لن يسقط حتى لو حملناه على أكتافنا.
صعبٌ جداً على أيّ دولةٍ في العالم أن تخوضَ “حروباً”، لا حرب، أن تصارع أفاعٍ، لا أفعى. ليس صحيحاً أن الكيان الصهيوني وحدَه رأسُ الأفعى، فلقد بات لدينا أفعى برؤوسٍ ثلاث هي:
التطرف، من يدعمه بالمال في مشيخات النفط ومن لفَّ لفهم، من يخطط لهم في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. علينا أن نتعاملَ بدقة ٍكي لاننتقل من مواجهة رأسٍ إلى آخر قبل الإجهاز على الأول كي لانعطيه الفرصة ليلسعنا دفاعاً عن وجوده.
لم يكن غريباً أبداً أن يشنّ الكيان الصهيوني غارته تلك، ولم تكن غريبة أبداً ردة فعلِ المعارضة السورية المسلحة وجزءٌ كبير من غير المسلحة بالتهليل والتكبير والتصفيق لما تمَّ انجازه، (شهود عيان في دمشق أكدوا سماعَ تكبيراتٍ من جوامع في كلٍّ من “القدم” و”اليرموك” و”الميدان” تأييداً للغارة ). كذلك الأمر لم يكن غريباً أبداً ردّ فعل القيادةِ السورية على هذه الغارة، إن كان بضبط النفس أولاً، أو بما صدر من بيانٍ وقراراتٍ لاحقة، فالمعادلة باتت واضحة للجميع:
إنَّ حجم الانتصار السوري يتناسبُ طرداً مع حجم استعار الهجمة ضدَّ سوريا، والأهم، إن أي انتصارٍ يحقّقه السوري سيصرفه مستعربو الأمّة تنازلاتٍ في فلسطين.
بدأ الانتصار يقضُّ مضاجعَ المتآمرين
لم يكن ماكتبه “إيان بلاك” في صحيفة الغارديان منذ أسبوع عن الظهور العلني للرئيس الأسد في احتفالات عيد العمال، سوى تعبيرٌ عن بدء انجلاء الحقيقة لدى بعض الباحثين عنها. الصحيفة التي عنونت بالقول ” الأسد أثبت أنه أكثر مرونة مما تصور كُثر” أكدت وبطريقةٍ غير مباشرة عبر تعدادها لمن يساند الأسد من دولٍ وأصدقاء أن الوهم بإمكانية اسقاط الأسد بات من الماضي.، بالتالي بتنا نعيش زمن الانتصار.
في الواقع لانحتاجُ لكثيرٍ من التحليل أو حتى الكتابةَ بماتجود علينا بهِ اللغة من بديع الجُمَل لكي نتأكّد أن الانتصار السوري بات خلفنا. فما يحدث في ريف دمشق من انجازاتٍ للجيش العربي السوري في معركته ضد الإرهاب، وما تبعها من السيطرة على مدينة القصير لم يكن إلاّ أحدَ أهمِّ أسبابِ رفع الصوت للمطالبة بإنقاذ العصابات المسلحة و”الثورة”، حتى وصل الأمر استنجد فيه مفتي الناتو وشيخ الفتنة “يوسف القرضاوي” بالولايات المتحدة الأمريكية مطالباً إيَّاها أن تقف موقف “صدقٍ” لإنقاذ الإرهابيين في سوريا. هذا البكاء وجد له صدىً كبير عند الداعمين و الممولين لتلك العصابات المسلحة، وتحديداً بعد أن لمسَ الجميع اصرار القيادة في سورية على إنهاء الوضع في مدينة القصير الاستراتيجية، إذ قاموا بالتلويحِ من جديدٍ بالملَف الكيماوي تارةً، والتدخل العسكري وإقامة مناطق عازلة تارةً أخرى لكي يحاولوا ثنيَ القيادةِ السوريّة عن القصير. شكلت القصير لغزاً محيِّراً ربما سنحتاجُ لكثيرٍ من الوقتِ لفكِّ طلاسمه، لأنَّ اصرار القيادةِ السورية على استعادتها وفصلها عن الحدود اللبنانية بهذا الوقتِ بالتحديد شكَّل صدمة قوية لمن عوَّلَ على الحدود اللبنانية كمصدرٍ أساسيٍّ لتهريب السلاح إلى الجماعات المسلحة هذا دون أن نُغفل مايمكن أن يكون من معلوماتٍ حصل عليها الجيش العربي السوري من خلال التحقيقات مع من تمَّ توقيفهم، أو أولئك الذين استسلموا للجيش العربي السوري، تحديداً إن علمنا أن المنطقة كانت تُدار وبدقة من قبل قياداتٍ أمنية رفيعة من عدةِ دولٍ، تشترك فيما بينها بأنها عماد الحرب على سوريا.
كذلك الأمر شكَّل الظهور العلني المتكرر للسيد الرئيس في الساحات العامة مايشبه رصاصة الرحمة على كلِّ من يفكر بإمكانيةِ توصيف سوريا بأنها وطنٌ توقفت فيه الحركة والحياة ليعاني من الموت السريري. هم أقدمواعلى تكذيبِ كلَّ روايات الظهور العلني للرئيس الأسد وربطها بتسريباتٍ وأكاذيب لا أساس لها من الصحة، فجميعنا يتذكر حديث صحف وقنوات المال النفطي عن قضاء الأسد لأوقاته على متن باخرةٍ روسية والتنقل إلى دمشق عبر (تاكسيهوبتر). أما هذا الظهور فكان الحل الوحيد معه هو تجاهله.
من هنا بات واضحاً أن محاولة كسر أعمدة النظام في سوريا باتت فاشلة، أو كما حاول رئيس الموساد السابق وصديق مشيخات النفط “مائير داغان” أن يقول ( أن على إسرائيل إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد كـ «واجب أخلاقي»)، وأمام انسداد الافق أمام المستعربين كان لابد لهم من مفاوضة الكيان الصهيوني.
بين دمشق وفلسطين يتهاوى مال النفط
كما جرت العادة، ومنذ أن أعلنت قطر عن حلمها بتقديم نفسها، كدولةٍ عُظمى عبر ادعائها محاولةَ إيجاد حلولٍ للأزمات العالقة في المنطقة، وهي في الحقيقة لم تكن إلاّ أداة يراد منها دعمَ طرفٍ على آخر لتأجيج النزاعات بداعي الوساطة إن كان في دارفور على سبيل المثال، وما تبعه من تقسيمٍ للسودان، أو بين التنظيمات الفلسطيبية كافة وحتى اتفاق الدوحة بين اللبنانيين، لأن دخول الأميركي أو “الاسرائيلي” على هذا الخط أمرٌ مستحيل، فكان لابدَّ من طرفٍ يستطع الدخول في هذا المعترك. اليوم ولنعترف بأن هذه المشيخة “وبالتالي اميركا والكيان الصهيوني” باتت تسيطر على قرارات الدول العربية كافة “باستثناء الجزائر والعراق”، ولأن اسقاط دمشق بات الهدف الأول والأخير لهذه الاقطاعيات أيّاً كان الثمن، باتت المعادلة الآن كالتالي:
أعطونا رأس النظام في سوريا نعطيكم ماتبقى من فلسطين. الفارق هذه المرّة أن الاقطاعيات العربية عندما كانت تتآمر وتخون كانت تفعل ذلك في السر أو منفردة فالملك حسين كان أشبه بجاسوسٍ لدى الكيان الصهيوني منذ ستينيات القرن الماضي ولكنه كان يُخفي ذلك، وغيره الكثير من تلك الطُّغم الي حكمت دولنا. أما الآن فإن الخيانة والتآمر هي عنوان للغالبية العظمى لمن يحكم هذه الأمة وهذا لايعني أن هذه الدول كانت تُحكم من أشخاصٍ أفضل حالاً، لكن على الأقل لم يحدث أن كان زعماء هذه الدول هم تُبَّعاً لمشيخةٍ تساوي شارعين من شوارع القاهرة. كما أن صحيفة “هارتس” الصهيونية كانت واضحة عندما تحدثت عن سعي باراك اوباما لضم الكيان الصهيوني إلى مايسمى حلف “الشرق الأوسط المعتدل” أو ما يسمى بـ”الحلف الدفاعى ضد إيران” يضم الكيان الصهيوني إلى جانب دولٍ مثل مملكة آل سعود وقطر والإمارات والأردن وتركيا، هذا المشروع سيمكن الكيان من الوصول إلى رادارات هذه الدول وتبادل المعلومات عبر أنظمة “الصواريخ البالستية” .
حاولت مشيخة قطر سحب البساط من تحت أقدام مايسمى مبادرة الجامعة العربية أومبادرة ملك آل سعود عبد الله (والتي لانزال نطالب القيادة السورية اعلان انسحابها منها)، ليَحلَّ مكانها مايسمى المبادرة القطرية، بالطبع تبقى بنود المبادرة غامضة نوعاً ما قياساً بما سيُقدّم من تنازلاتٍ وتحديداً أن هناك من تحدث عن رغبةٍ قطرية بتبني مشاريعَ لشراء أراضٍ فلسطينية لتتحكم بمسار التسوية وتفرض على الفلسطينيين واقعاً جديداً ينهي القضية الفلسطينية بشكلٍ يجعلنا نترحم على اتفاقيات اوسلو. هذا الأمر كان له ثمن، فبعد فشل العصابات المسلحة في سوريا في إحداث أي خرقٍ كانت الفكرة أن يقوم الكيان الصهيوني بضرب مايمكن أن يسموه “نقاط القوة” عند الجيش العربي السوري ليتزامن هذا الأمر مع محاولات المعارضة اقتحام دمشق بعد تأمين غطاءٍ جوي مستفيدةً من البلبلة أو حالة عدم التوازن التي سيمر بها الجيش العربي السوري ومن خلفه القيادة حتى استيعاب الصدمة، وهذا ما اسماه “ريتشارد سبينسر” في صحيفة التلغراف بالدخول المباشر للكيان الصهيوني على خط الأزمة في سوريا. قطر استَجْدَتْ هذا التدخل وبالتأكيد موّلته (كما نشرت “الوطن” نقلاً عن مصادر اعلامية في العاصمة البريطانية لندن ). نجحت في الجزء الأول ولكنها فشلت في الثاني لأن العصابات المسلحة جرى التعامل معها بالطريقة المناسبة وبالتالي نجحوا في الهدف الآني من هذه الغارة لكنهم فشلوا في الهدف البعيد المرسوم لها.
متى ترد القيادةً السورية؟
دعونا نعيد صياغة السؤال بطريقةٍ أكثر وضوحاً: مالذي ينتظره الرئيس بشار الأسد لكي يرد؟ يبدو أن الأمر واضح أن الرئيس الأسد ينتظر صحوةً ما في الشارع العربي ترفَع عنه الغشاوة التي تم تخديره بها منذ عقودٍ وتحديداً في العامين الماضيين بعد انطلاق مايسمى ربيع آل ثاني للديمقراطية وماتخلّله من شعاراتٍ وتحريضٍ طائفي ومذهبي بات حديث القنوات والوسائل الإعلامية. بالطبع يجب أن نعترف أنه نجح في ذلك جزئياً، بمعنى آخر لاشك أن هناك الآن حالة من ارتقاع النسق المؤيد للقيادة السورية في الشارع العربي، والذي بات يدرك تماماً أن المؤامرة كانت أبشع من المتوقع، وأن سوريا الآن تدافعُ عن آخر مابقي للأمةِ من استقلاليةٍ لقرارها أو تبني لقضاياها العادلة، وهذا مالم يكن متوفراً في السابق لأن هناك من كان ينظر للقيادة السورية أنها تقمع ثورة سلمية تنشد الحرية، ولعل مايتم الحديث عنه الآن عن تدني نسب المشاهدة للقنوات الشريكة في سفك الدم السوري بنسبةٍ تصل لأكثر من 80 بالمائة لهو دليلٌ على فكّ عرى المؤامرة.هذا الارتفاع في المد الشعبي بالتأكيد لن يقفَ عند حدود الدول التي أصابها ربيع آل ثاني بل ستصل حتى مضارب تلك المشيخات، من هنا بتنا نفهم سبب استعار التحريض على سوريا ليصل لدرجات غير مسبوقة أبداً. من هنا نستطيع أن نقول أنه وبعد سنتين من الحرب على سوريا مخطئ من يظن أن تلك المشيخات هي من تهاجم سوريا إن هذه المشيخات بالمطلق تدافع عن نفسها الآن وهي تعتبر أنها ستكون أول ضحايا ردات الانتصار السوري.
من ناحيةٍ ثانية وفيما يخص الداخل السوري فإن المواطن السوري وبكل تأكيد يتطلع لردٍّ ما يحجِّم الكيان الصهيوني ولكن بالمطلق الحرب قرار وليست ردة فعل، كذلك الأمر إن الأسد قالها صراحةً أننا نرد بطريقتنا وعندما خاطب الصهاينة بالقول (هم يعلمون عن ماذا أتكلم)، صمتوا جميعاً.
في حربٍ مركبةٍ كالتي تخوضها سوريا بثالوثها الأقدس، من الخطأ الظن أن الرد بهذه السرعة يعني تحجيماً للكيان الصهيوني وانهاءاً للحرب على سوريا لأن ردع الكيان الصهيوني لن ينهي التآمر وإلا كيف سنردع كل من قطر وآل سعود والعثمانيين عن ارسال الأسلحة والارهابيين إلى سوريا.
لايجب علينا البحث في كيفية الرد على الكيان الصهيوني “لا خلال ست ساعات ولا ستة أشهر كما أورد البعض”، الأولوية الآن لكيفية ردع مؤامرةٍ متشعّبة أعلن الكيان الصهيوني عن دخلوله فيها علناً، والمؤامرة لاينهيها صاروخ يضرب مكاناً ما من الكيان الصهيوني لانك بهذه الحالة بحاجة لصواريخ تضرب قطر والآستانة، لأن ماتسبب به هؤلاء في السنتين الماضيتين لم تتمكن”اسرائيل” خلال اربعين عاماً ومن انجاز عُشره.
استراتيجيه الرد السوري
يروي ضباطاً سوريون شاركوا في الحرب عندما اجتاح الكيان الصهيوني لبنان في ثمانينيات القرن الماضي أن قوات الاحتلال لاتجيد معارك الالتحام أبداً بل على العكس فهم كانو يهربون من مواجهة الجندي السوري بالسلاح الأبيض مرددين “كوماندوس كوماندوس”، هذا يعني أن الكيان الصهيوني له استراتيجية ضعيفة في الحرب البريِّه وهذا مايبدو أن القيادة السورية ستسعى لآستغلاله عبر فتح جبهة الجولان، وهي بالتالي ستكسب عدة نقاط:
ـ جر العدو الصهيوني نحو المعركة البرية، وهي استراتيجية ستقلب الطاولة على رؤوس الجميع وهي مجدية أكثر من الرد بالصواريخ وماشابه.
ـ اعادة الكفاح المسلح الفلسطيني نحو الواجهة بعد أن بات جهاد النكاح القطري هو المسيطر، وبعد أن تمّ شراء بعض الحركات التي كانت تمارس الكفاح المسلح بالمال.
ـ محاولة توسيع الجبهة المفتوحة اذا ماتمكنت من ايجاد ارضية اتصالٍ بالجنوب اللبناني، بالتالي يكون من الصعب على “الاسرائيلي” الحرب بعدة جبهات.
ـ قطع الطريق امام محالات تشكيل جيش أشبه بجيش لحد في الجنوب السوري يكون حارساً للكيان الصهيوني.
إذن بالمطلق لاتبدو الغارة فيها أي جديدٍ لأن الغارة نفَّذها الكيان الصهيوني، فيما أذنابه ينفذون باليوم ماهو أبشع من غارة تستهدف الوطن ومقدراته، بالتالي لايجب أن ننكر أن الجميع بات مأزوماً، لكن هناك من اعتنق مذهبَ الصمود، وهناك من اعتنق مذهب الخيانة، ومع ذلك ستبقى سوريا كما هي لن يرهبها غارة ولا تآمر وإن أردنا أن نتوسعَ قليلاً باعتبار أننا نعيش زمن الانتصار فإن الرسالة موجهة لكل من لايزال مغشيّاً بالتهديدات القطرية فنقول:
ثلاثة سيسامحهم الأسد يوم يزف للشعب انتصارهْ، يوم يخرج مكلّلاً بالورد محروساً بإنجيله وقرآنهْ ،الأول من قال أن مطالبته الأسد بالرحيل كانت زلَّه من لسانهْ، الثاني قال أنه كان ضحيةَ تشويهٍ من مساعديه وأعوانهْ، الثالث من وقف في الأزمه على الحياد، منتظراً الكفّةَ لمن ستميل دون أن يتورط بدم الشهيد أو يمثّلَ بجثمانه، لذلك وقبل أن يفوتكم قطار التائبين عودوا إلى رشدكم، ولا تنصتوا لأحلام الغرب في زيفه وبتهانهْ، لن نقول أن الأسد قد انتصر عليكم لانك لستم سوى أذنابَ الغربِ ونحن للعزِّ نظراؤه واقرانهْْ، نحن من اختار المواجهة مع أسيادكم وسننتصر باذن الله، لأن الحق سيغلبُ الباطل أيّاً كان شيطانه.
الوطن
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment