تـعـميـق الجـراح ... وإبـتـسـامـة حـافـظ الأســـد
|
في البداية أود التأكيد بأن إسترجاع جزء من التصريحات التي سبقت وتلت العدوان الصهيوني أمر لا مفر منه ، بل هو ضروري للإحاطة بالحدث ، ورسم الصورة وتجميع أجزائها ، فكثير منّا لم يدرك قيمة ما قيل قبل لحظة العدوان وما بعدها إلا بعد أن قرأ وشاهد التصريحات والإجراءات المتخذة للرد على العدوان . فعدوان فجر يوم الأحد 5 / 5 / 2013 مثّل نقطة تحول كبرى في الحرب على سوريا ، وفي القضية الفلسطينية ، وعلى شكل ووجهة الصراع في المشرق . إنها مرحلة توسيع جراح الأعداء ببعض أدواتهم ، والإنتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة الهجوم ، وإرساء لقواعد إشتباك جديدة مع كيان العدو الصهيوني وحلفائه من أنظمة الخنوع العربي وأمريكا من خلف كلّ هؤلاء . تدرجت الحرب على سوريا بعدة مراحل قبل الوصول إلى هذا النسق الجيوسياسي ، أكثفها على النحو التالي .
المرحلة الأولى : حتى تنقشع الغشاوة ويتضح المشهد
من المعروف أن عنوان المرحلة التي يعيشها الوطن والمواطن العربي منذ ثلاثة أعوام هو " الربيع العربي " ، أي تحرير إرادة الشعب وإستعادته لقراره وكرامته الوطنية ورفع كلّ أشكال الظلم والإستبداد التي يعانيها . لذلك مارست القيادة السورية جهداً جباراً في إبراز حقيقة أن ما يجري في سوريا منذ 25 شهرا تقريباً لا علاقة له بهذه العناوين الجذابة ، بل هو نوع جديد من الغزو بأدوات ووسائل وآليات مبتكرة ومموهة إلى حدّ بعيد . ففي لقاءه مع قناة الإخبارية بتاريخ 17 / 4 / 2013 قال الرئيس بشار حافظ الأسد " عندما تقوم بعمل ما على الساحة ، تواجه مشكلة بأنه لابد لك من إجماع وطني . فلا شك بأنه كان لدينا مشكلة في البداية بإقناع الكثير من السوريين بحقيقة ما يجري ، كنا أمام مشكلة في إقناعهم بأن ما يحصل في الإعلام الخارجي تزوير ، وبأن من يقتل المتظاهرين ليست الدولة ، وبأن هناك جهات أخرى تقوم بإطلاق النار على الطرفين من أجل تأجيج المشاعر . كان من الصعب لاحقاً إقناعهم بأن هؤلاء المسلحين ليسوا جيشا حراً ، فهو جيش مرتبط وليس حرا . يعمل بالأموال ويقتل من خلال الأموال . كان من الصعب إقناعهم بأن الجزء الأكبر من المظاهرات مدفوع الأجر . انظر إلى المراحل ... كان من الصعب أن نقنع الكثيرين حتى رأوا كل هذه الأشياء بأعينهم " .
المرحلة الثانية : الهجوم المضاد ... تداعي الوهم
في ذات اللقاء مع قناة الإخبارية بتاريخ 17 / 4 / 2013 عنون سيادة الرئيس هذه الحرب بمرحلتها الثانية " إي ما قبل 5 / 5 " بمقولة " نحن الآن لا نقوم بعملية تحرير أرض لكي نتحدث عن مناطق محررة ، نحن نقوم الآن بعملية قضاء على الإرهابيين ، والفرق كبير بين الأولى والثانية . إن لم نقض على الإرهابيين لا معنى لتحرير أي منطقة في سورية " . وهنا يمكننا أن نعثر على أحد أهم الأسباب التي تقف خلف العدوان الصهيوني ، وهو التحول في إستراتيجية التعامل مع اليد والأدوات التي تنفذ الحرب على سوريا أي المجموعات الإرهابية المسلحة ، إنتقال من مطاردة الإرهاب إلى القضاء على الإرهاب . ما يعني وقف إستنزاف سوريا جيشاً وشعباً ومقدرات من جهة ، وإتخاذ القرار بالنصر الميداني على هذا المشروع وهذه الحرب من جهة أخرى . فقد بات واضحاً أن لا حوار سيقوم دون وجود خاسر ورابح في هذه الحرب ، ولا إستقرار دون السيادة على كامل سوريا ، وأن الجهد الدبلوماسي أصبح أسيراً بشكل مطلق لمجريات الميدان . فتم تحرير أجزاء من مدن وبعض الأرياف وقرى وبلدات عانت طويلاً من رجس وإرهاب هذه المجموعات الوظيفية والمجرمة .
المرحلة الثالثة : الصبر ينفذ والهزيمة تلوح ... مجبرون على التدخل
منذ أواخر شهر آذار بدأ الهجوم المعاكس على المجموعات الإرهابية المسلحة ، وبلغ مستويات كبرى وقياسية في شهر نيسان . تحققت إنجازات مذهلة خلال هذا الهجوم ، وبدأ الإنهيار الدراماتيكي يضرب عصب هذه المجموعات بقوة حتى شارفت على الإنهيار الكلي . ما العمل ؟ تدخل أمريكي مباشر ؟ غير ممكن . تدخل من قبل النيتو ؟ هناك دول وازنة في النيتو تشترط موافقة مجلس الأمن هروبا من هذه الحرب وهو أمر غير وارد بفعل الفيتو الروسي الصيني . قوات عربية ؟ هم أعجز من القيام بذلك ، وستكون آخر خطياياهم والمسمار الأخير في نعوشهم . لقد كان واضحاً لدى القيادة السورية منذ العدوان على مركز البحوث في جمرايا في 30 / 1 / 2013 أن كيان العدو سيكرر عدوانه لاحقاً ، لإنقاذ حلفائه في الحرب على سوريا ، وخصوصاً بعد أن تزايد الحديث عن منطقة عازلة في الجولان تكون الحضن لإنشاء النسخة السورية من جيش لبنان الجنوبي - أنطوان لحد .
المرحلة الرابعة : القرضاوي ... نريد من أمريكا وقفة لله والحق
تعالت صرخات ممولي الحرب على سوريا بالمال وقطعان القتلة والمرتزقة والسلاح ، وخصوصاً في قطر والسعودية وتركيا وكيان العدو الصهيوني الداعية لشنّ عدوان أمريكي غربي صهيوني على سوريا ، حتى أن سعود الفيصل قال في واشنطن عقب لقاءه أوباما " لا حلّ للأزمة السورية إلا بإسقاط الحكومة السورية بالقوة " . وبلغ الأمر بالقرضاوي أن يتوسل أمريكا في خطبة صلاة الجمعة بأن تأخذ موقفاً لله والحق ، لقد إستنفذ الجزء العربي في هذا الحلف عقله وأخلاقه وعروبته حتى القعر . لكنّ أمريكا وجرائها تستطيع التدخل ولا تجرؤ عليه خوفاً من تدحرج العدوان لحرب إقليمية على الأقل ، والكيان الصهيوني لا يستطيع التدخل ولكنه متحرق للقيام به . فكان القرار تدخل صهيوني بغطاء أمريكي وعربي وأوروبي . فتدخل كيان العدو لينقذ ما يمكن إنقاذه ، وليضرب تقدم الجيش العربي السوري ومعنوياته ، ويوجه طعنة لمشاعر النصر التي بدأت تشرق على وجوه السوريين ، ويبعث برسالة فيها الكثير من المبالغة في الوهج والضوضاء لمن يهمهم الأمر وفي المقدمة منهم رأس الحربة في المعسكر الآخر الرئيس بشار حافظ الأسد .
المرحلة الخامسة : جاءوا إلى حيث نريد ... سنصدمهم
منذ لحظة عدوان 5 / 5 تم الشروع بتنفذ ردّ رسمت خطوطه منذ فترة ليست بالقصيرة ، ردّ كانت زيارة السيد حسن نصر الله لإيران المرحلة الأخيرة فيه ، بعد أن تمّ دوزنته بين القيادة السورية وقيادة حزب الله . فدخلت المنطقة فضاء آخر رسم بعض من خطوطه الكبرى بيان مجلس الوزراء السوري في نهار العدوان ، حيث قال " أن هذا العدوان يفتح الباب واسعا أمام جميع الاحتمالات ، وخاصة أنه يكشف بما لا يدع مجالا للشك حجم الارتباط العضوي بين مكونات الحرب على سورية بأدواتها الإرهابية التكفيرية والصهيونية " . وتابع بيان الحكومة " على المجتمع الدولي أن يدرك أن تعقيدات ما يجري في المنطقة بعد هذا العدوان باتت أكثر خطورة وعلى الدول الداعمة لإسرائيل أن تعي جيدا أن شعبنا ودولتنا لا تقبل الهوان وأن إسرائيل وعملاءها في المنطقة لا تستطيع الإنفراد والعبث بالأمن الإقليمي ومستقبل الشعوب " . ولم تمض ساعات حتى صرح مصدر مسؤل لقناة الميادين " بأن جبهة الجولان ستفتح أمام المقاومة الشعبية السورية ، والفصائل الفلسطينية المقاومة لتنفيذ عمليات في الجولان المحتل ، وأضاف " أن منظومات الصواريخ تلقت أوامر بقصف أهداف محددة سلفاً في حال تعرض سوريا لأي عدوان جديد دون الرجوع للقيادة ، وأصدر الأمر ذاته لمنظومات الدفاع الجوي " . وأضاف " بأننا سنزود المقاومة بأسلحة نوعية لم نزودها بها من قبل " . ثم جاء خطاب سماحة السيد حسن نصر الله عصر الخميس 9 / 5 / 2013 وتحدث تفصيلاً عن الرد السوري على هذا العدوان حيث قال عن الرد السوري : " إسمعوا معي الرد الأول هو ، أنت يا إسرائيلي تقول إن هدفك من العدوان هو منع تعاظم قوة المقاومة ، إذاً خُذ علماً أيها الإسرائيلي أنك إذا كنت تعتبر سوريا ممراً للسلاح إلى المقاومة فإن سوريا ستعطي السلاح إلى المقاومة ، وهذا قرار إستراتيجي كبير كبير . أكثر من ذلك ، أنت تدّعي أن عدوانك هدفه منع تعاظم قدرة المقاومة فإن سوريا ستعطي للمقاومة سلاحاً نوعياً لم تحصل عليه المقاومة حتى الآن ، يعني أعلى مما هو أعظم قدرة ، يعني أننا ذهبنا إلى ما هو كاسر للتوازن ... الرد الإستراتيجي الثاني الذي لا يقل خطورة وأهمية وهو : هذه جبهة الجولان مفتوحة ، وإعلان فتح الباب للمقاومة الشعبية في جبهة الجولان ، وهذا طبيعي ... ثالثا : وهذا طبعا لن أتدخل فيه لأنه صار من خصوصيات القوات السورية ، عندما قالوا بأننا جهزنا منصات ووجهنا صواريخ بإتجاه أهداف في فلسطين وأعطينا الأوامر للتنفيذ بدون العودة إلى القيادة . هذا أرعب الإسرائيليين ، عملوا إجراءات وخافوا ، أخذوا يبعثون رسائل تهدئة وتطمين ...الخ ، لكن هذا الرد ماذا يعني في دلالاته السياسية والمعنوية ؟ ، تريدني أن أنكفئ ، كلا ، إذا كنت تريد أن تعتدي من جديد ، أنا أعطيت الأوامر إلى قواتي أن ترد دون العودة إلي ، من يجرؤ أن يفعل هذا اليوم في عالمنا العربي ؟ " . وأضاف سماحة السيد " أيضا نحن نريد أن نلاقيهم ، في الرد الأول : نعم ، نحن في المقاومة في لبنان نُعلن : أننا مستعدون لأن نستلم أي سلاح نوعي ولو كان كاسراً للتوازن ، ومستعدون أن نحافظ على هذا السلاح ، وجديرون بأن نمتلك هذا السلاح وسندفع بهذا السلاح العدوان عن شعبنا وبلدنا ومقدساتنا . في الثاني : كما وقفت سوريا إلى جانب الشعب اللبناني ، ودعمت مقاومته الشعبية مادياً ومعنوياً حتى تمكنت هذه المقاومة من تحرير جنوب لبنان ، فإننا في المقاومة اللبنانية نُعلن : أننا نقف إلى جانب المقاومة الشعبية السورية ونُقدم دعمنا المادي والمعنوي والتعاون والتنسيق من أجل تحرير الجولان السوري " .
1 - الحسم الميداني يمثل اليوم عنصراً أساسيّاً في إستراتيجية القيادة السورية ومحور المقاومة عموماً .
2 - كلّ ما يشاع عن مؤتمرات ومفاوضات ... ليس أكثر من تعبير عن مجريات الميدان ، وجداول الأعمال محكومة بمساحة التطهير الذي ينجزه الجيش العربي السوري .
3 - " الحدود المائعة " وخصوصاً في الجولان المحتل ستكون وبالاً على القائمين عليها . هم يدّعون تأيدهم لإرادة الشعب العربي السوري ، فليكن ، اليوم هذا الشعب ذاهب لتحرير جولانه ، فما هم فاعلون ؟ .
4 - علاقة سوريا بالمقاومة إرتقت من حالة التحالف إلى الشراكة العضوية والمباشرة .
5 - قيمة أي حدود أو معاهدات أو مواثيق مرهونة بالحفاظ على المقاومة وتحرير الأرض .
6 - أي عدوان جديد على سوريا سيقابل بردّ فوري ومباشر وفي العمق ، وقبل أن ترفع سماعة الهاتف لأجل وساطة تطلب التريث أو التهدئة .
7 - العدوان على أي من طرفي المعادلة " سوريا - المقاومة " يعني دخول الطرف الثاني فيها تلقائياً . فساحة المعركة ستمتد من رأس الناقورة حتى نهر اليرموك كخطوة أولى .
8 - في مراجعة نقدية من قبل السيد حسن نصر الله حول ما سمي بالربيع العربي والصحوة الإسلامية " كما يفضل تسميته الأصدقاء الإيرانيون " ما هو إلا كذبة كبرى ، وخدعة تشبه حصان طرواده تعيد إنتاج أنظمة هرمت بأخرى جديدة بصبغة إسلاميّة .
9 - الحرب على سوريا جزء من الحرب على فلسطين ، والنصر فيها نصر لفلسطين .
10 - لا وهم ولا مجاملة في الحق ، لقد " حصحص الحق " ، آن للمشرق أن يستعيد ألقه بعيداً عن أمريكا وأتباعها من أنظمة الجهل والعمالة والعفن .
11 - لقد أصبح واضحاً تماماً بأن هناك معسكرين يتصارعان في هذه المنطقة ، إستخدم أحدهما أقصى ما لديه ، والآخر " حلف المقاومة " باشر بالردّ منذ أمد ليس ببعيد .
12 - بكل صدق وموضوعيّة أرى بأن أكثر البشر سعادة في هذه الأيام هو الراحل حافظ الأسد وهو يلمح من بعيد أي شبكة علاقات وقواعد متينة ساهم في إرساء سوريا عليها ، وأبنه بشار حافظ الأسد الذي أعاد هندسة هذه القواعد والعلاقات بصورة أكثر متانة وأعمق ترابطاً وأشد تعقيداً .
المنطقة اليوم تقف على مفترق طرق خطير جداً جداً ، فيه صراع بين الحق والباطل ، وصراع بين العروبة والحقبة الصهيونية ، صراع بين إسلام محمد بن عبد الله ومحمد بن عبد الوهاب ، صراع بين أمريكا الهرمة التي تريد تجديد شبابها بدمائنا وثلّة مقاومة مقاتلة من أصحاب هذه الدماء ، صراع بين مُدن الفعل والتاريخ ومُدن الفولاذ والغاز ، صراع بين الرجال وأشباه الرجال ... . نحن الأقوى ، بيدنا الكثير وما بين أيديهم ينفذ ، ما نحتاجه هو الثقة والإيمان والصبر والإستعداد للتضحية ، فنحن من يمسك بأحشاء المنطقة بقوة ، حاربونا بلا خجل وسنحاربهم بلا خجل .
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!
No comments:
Post a Comment