Monday 22 April 2013

أميركا الخائبة.. والتهويل العقيم

العميد د. أمين محمد حطيط


لم يكن أوباما يتصور أن خطته التي أحكم تنظيمها وأطلقها بنفسه ضد سورية زاجا بسلاحه النوعي السياسي الثقيل محشداً لها كل دول الجوار السوري ومستعملاً كل متاح وممكن من وسائل وأدوات،

لم يكن يتصور مطلقاً أن هذه الخطة ستلاقي المصير الدراماتيكي الذي واجهته في سورية في غضون الأسابيع الثلاثة الأولى لانطلاقاتها.

وقد بات واضحاً أن أوباما الذي تعتمد بلاده سياسة المعايير المزدوجة دائماً واللعب على أكثر من حبل والتظاهر بشيء والعمل بما يعاكسه، رمى من خلال خطته إلى تعويض الإخفاق المتلاحق الذي وقعت فيه السياسة الأميركية في سورية بدءاً بأكذوبة الثورة السلمية وصولاً إلى اعتماد الإرهاب العلني الصريح في اعتماده لأساليب القتل والتدمير، ولأجل ذلك بنيت خطة أوباما على أساس توجيه الضربة الميدانية التي أسميت حاسمة لإسقاط دمشق ووضع العالم أمام أمر واقع جديد يعترف فيه بالانتصار الأميركي على محور المقاومة والممانعة ويعوض هزائمه في مواجهته منذ عقدين متلاحقين.‏

لكن سورية الممسكة بزمام الأمور والتي ومنذ انطلاقة العدوان لم تهتز ثقتها بنفسها وبقدراتها وبحلفائها سارعت وبعد الوقوف على خطة أوباما إلى وضع الاستراتيجية المضادة التي تمكنها من صنع هزيمة جديدة لرأس العدوان على سورية وكانت الاستراتيجية الدفاعية السورية تلك قائمة على أركان ثلاثة يعمل بها تكاملاً وتدرجاً بحيث تكون النتيجة واعدة ومؤكدة النجاح وعليه وانطلاقاً من طبيعة خطة العدوان الأميركي المسماة خطة أوباما كانت الاستراتيجية السورية المضادة قائمة على ما يلي:‏

- ضرب مناطق التحشد حول المدن الكبرى قبل انطلاق المعتدين في تنفيذ هجومهم المسمى «الهجوم الصاعق الحاسم».‏

- مسك المواقع الاستراتيجية التي تتحكم بعمليات التنقل والانتقال لتعزيز أو لتعويض القوى المحضرة لتنفيذ الهجوم.‏

- الانطلاق في عملية تطهير وتنظيف فاعلة بما يحول مستقبلاً دون إعادة تكوين مناطق تحشد ووضع خطط هجوم جديدة ضد الأهداف الرئيسية الاستراتيجية الكبرى.‏

وفي التطبيق لم تغادر القيادة السورية منطقاً اعتمدته منذ بدء المواجهة الدفاعية، وهو المنطق الذي مكنها من القتال بالنفس الطويل ومنع ما كان يتوخاه العدو من انهيار في البنية العسكرية وتشتت القوى المدافعة، منطق يتضمن مبادئ الاقتصاد في القوى، وسلم الأولويات في العمل، والتصرف بذهنية الفاعل الواعي دون الوقوع بردة الفعل وتجنب العمل وفقاً لما يخطط له الآخر من أجل الاستدراج والانزلاق.‏

لقد انطلقت القوات العربية السورية وأساسها الجيش العربي السوري الذي أذهل الجميع بقدراته وتماسكه وصلابته، ومعه ما شكل حديثاً تحت عنوان جيش الدفاع الوطني الذي ترفده لجان شعبية تعمل على مؤازرة القوات النظامية في أعمال الدفاع المحلي، انطلقت كل هذه القوى في عمل عسكري دفاعي يعتمد بشكل أساسي قاعدة «خير الدفاع الهجوم» ووجهت الضربات الموجعة للجماعات المسلحة التي عول عليها أوباما في خطته وكانت النتيجة الصاعقة في أقل من شهر رسم صورة تشكلت عناصرها كما يلي:‏

- خسرت القوى المعتدية مواقعها حول دمشق وضاعت عليها فرص الهجوم الصاعق وبالتالي ضاع حلم نجاح الخطة وبات الحديث عن معركة دمشق وساعة الحسم نوعاً من الخيال والوهم حتى أنه لا يصلح لاعتماده عنصراً في الحرب ولم تفلح عمليات الاغتيال والتفجير والتدمير التي ارتكبت هنا وهناك في دمشق ومحيطها من تغيير شيء في هذه الصورة.‏

- فقدت الجماعات المسلحة المناطق الاستراتيجية المؤثرة المتصلة بلبنان خاصة في المنطقة الوسطى وتعطل دور لبنان المستقبلي في إمداد المعتدين بالمرتزقة والعتاد وضاعت هنا ورقة استراتيجية هامة بفقدان المعتدين مواقعهم في محيط حمص وريفها.‏

- ضاعت فرص المعتدين في التحكم بطريق حلب الدولي إلى الداخل السوري وانطلقت القوات السورية في تنفيذ خطة القيادة السياسية في عمليات تنظيف وتطهير في ريف إدلب وفرضت على الخزان البشري للمسلحين في الشمال والمرتكز على العمق التركي، فرضت عليه التحول إلى موقع دفاعي محاصر وانخفض بذلك درجة التأثير التركي في تعزيز القوى الإرهابية.‏

- وبقي الجنوب الذي ساهم الأردن في تغيير بعض جزئيات صورته لمصلحة المعتدين عبر زج من دربتهم أميركا في المعسكرات الأردنية من الإرهابيين وزودتهم بكل سلاح يمكنهم استعماله وفقاً لظروف المعركة ولأجل ذلك كانت الخطة الدفاعية الذكية بإقامة الجدار أو السد الحاجز في الجنوب لوقف التأثير ثم البدء بتوجيه الضربات بما يحول دون استثمار ما يحشد في الأردن لاستعماله في العمق السوري.‏

هذه الصورة أذهلت أميركا حتى أسقط في يدها وفي الوقت الذي كانت تتوخى فيه نجاحاً ميدانياً بليغاً يمكنها من فرض شروطها للحل في سورية عندما يتحلق الوفدان الروسي والأميركي في اجتماع القمة في حزيران المقبل، وجدت نفسها أنها ستذهب إلى طاولة تفاوض وقد خسرت حتى ما كان بيدها دون أن يكون لديها ما تهدد به أو تضغط عبره على سورية وحلفائها وفي طليعتهم إيران وروسيا.‏

لكل ذلك خلعت أميركا الأقنعة والقفازات وبعد أن كانت قد رمت بثقلها السياسي أثناء جولة أوباما رمت الآن بثقلها العسكري - لكن بشكل مقيد يضمن خط العودة- وأعلنت عن إرسال 200 جندي أميركا إلى الأردن في عنوان تعزيز القدرات الدفاعية الأردنية بوجه سورية وهي الذريعة ذاتها التي استعملتها عندما نشرت الباتريوت في تركيا، كما وأعلنت عن تحضيرها لتزويد الجماعات المسلحة بالعتاد والتجهيزات والأسلحة غير القاتلة، في إعلان أقل ما يقال فيه أنه خداع وتضليل لا ينطلي إلا على البسطاء البلهاء.‏

وهنا ينبغي أن نذكر بأن للحرب على سورية قيادة واحدة هي القيادة الأميركية وأن كل من استعمل أو ما استعمل في هذه الحرب كان بأمر أميركي وترخيص أميركي ولا يهمنا الجهة التي نفذت فالأساس هو القائد والآمر، وعليه فإننا لا نرى جديداً في البيانات الأميركية بما يؤثر على طبيعة المواجهة العسكرية، فالجماعات المسلحة امتلكت بقرار أميركي ومنذ سنتين كل ما يمكنها استعماله من سلاح تقليدي وغير تقليدي ولا يغير في الصورة أن تعلن أميركا أنها ستدرب أو ستجهز أو ستمون هذه الجماعات وأنها رصدت 130 مليون دولار أو ضاعفتها لهم من أجل دعم الإرهاب في سورية، والأمر الأساسي الذي يعنينا التركيز عليه هنا هو:‏

- إن الإنجازات العسكرية السورية أذهلت أميركا واضطرتها للتدخل مباشرة في المواجهة ممنية النفس بكبح الاندفاعية السورية والحد من تلك النجاحات.‏

- إن قيام أميركا بالإعلان عن تدخلها المباشر في دعم الإرهاب واعتبارها حاضنة رئيسية له، لا يغير من طبيعة المواجهة وهو لا يعدو كونه تهويلاً لن تقطف معه أميركا إلا الفشل في مواجهة قيادة سورية قررت أن تنتصر مهما كان الثمن لأن عدم الانتصار يعني انتهاء سورية وسورية الضاربة في عمق التاريخ لن تنتهي لهذا لن تهزم كما قال الرئيس الأسد.‏

- إن الاتجاه العام لنتائج المواجهة بات محسوماً وينبئ بشكل أكيد بهزيمة العدوان على سورية، ويبقى أن تستمر عمليات تنظيف سورية وتطهيرها من المعتدين مرتزقة وإرهابيين.‏

سورية الان - الثورة
River to Sea Uprooted Palestinian  
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!

No comments: